عدم غنائى بالأوبرا لأن جمهورى أكبر من كراسيها.. الأغانى السطحية سيمحوها التاريخ.. كنت بنتهى من الألبوم فى شهر ودلوقتى بعانى عشان ألاقى لحن جيد
عندما تتحدث عن الغناء المصرى على مر العصور يأتى فى الأذهان مباشرة أحد أهم أيقوناته وهو محمد منير، الذى شَكَلَ عبر عقود طويلة من خلال أغانيه وجدان الجمهور المصرى والعربى، لذلك لقبه الجمهور بالملك، فكل أغنية يشدو بها حتى ولو كانت رومانسية تحمل فى طياتها قضايا هامة وشائكة، فهو يؤمن أشد الإيمان أن الغناء ليس للترفيه والتسلية، ولكن لغذاء الروح، وجلب الحرية.
«عين» التقت النجم الكبير محمد منير على هامش مشاركته هذا العام فى مهرجان جرش للثقافة والفنون، وفتح قلبه ليتحدث عن مشاركته فى مهرجان جرش بعد غياب 17 عاماً، وبداياته عندما أتى من النوبة إلى القاهرة، وأغنيته الجديدة «مهموم»، ورآرائه فى العديد من القضايا التى تفرض نفسها على الساحة.
وإليكم نص الحوار..
نبدأ من الأردن والعودة لجرش بعد غياب 17 عاماً.. ماذا يمثل لك هذا المهرجان وكيف رأيت الحفاوة من جمهور المملكة؟
جئت إلى جرش هذه المرة وأحمل ملامح من الدموع على وجهى على صديق عمرى فاروق الفيشاوى، وبهذه المناسبة أقدم التعازى للأخت العزيزة زميلة العمر يسرا فى وفاة والدتها.
أما عن جرش فهذه ظروف حتمية، بأن نكون كعرب مع بعض، لأن فى ظل هذه الظروف العربية لا نملك غير إن إحنا يكون سلاحنا غير الغناء، بشكل مكثف وراقٍ، لأن ارتفاع الذوق العام، بيرفع الحس الوطنى، ويرفع المهام، والحمد لله قدمت فى جرش نموذجا للأغنية العربية التى نحلم بها، الأغنية الجادة التى تحمل مضامين جميلة، خاصة أن القلب العربى دائما بمثابة قلب فنان يستوعب الفن والحب والجمال، وبالفعل جرش مهرجان عريق، ويعد من أهم المهرجانات فى العالم العربى، وأنا بدأت معه فى بداياته، وأنا إن غبت عن «جرش»، فلم أغب عن الأردن كدولة شقيقة، وأنا من حسن حظى أن بداياتى كانت فى عز نهضة تليفزيون المملكة الأردنية، وأكبر رصيد عربى لى فى بداياتى كان فى عمان تحديدا، والأردن أعتبرها من البلدان العربية التى استطاعت أن تنتصر لنفسها، وأن تظل فى موقف حيادى جدا من كل القضايا العربية، وأصبحت وهى الدولة الصغيرة الوديعة الجميلة الأم للمنطقة العربية المحيطة بها، وأنا بالفعل لم أتغيب 17 سنة عن الأردن، ولكن عن مهرجان جرش فقط، فتواجدت العام الماضى فى عمان لإحياء حفل غنائى على مسرح أرينا، وكل 3 سنوات على أقصى تقدير أتواجد بالمملكة الأردنية لإحياء حفل بها، فأنا لم أبتعد عن الأردن سواء بشكل عملى وهو الغناء، أو إنسانى وهو محبتها، فهناك صلة رائعة تجمعنى كفنان بالشعوب العربية.
إلى أى مدى ترى دور الفن فى توحيد الصفوف العربية، وكيفية استخدامه فعليا كقوى ناعمة؟
بنتطلع إلى مجتمع أفضل نستحقه، وتستحقه شعوبنا العربية بشكل عام، وهذا لن يأتى بالفعل إلا بفن قوى هادف يحمل فى طياته الكثير، فنحن لا نرضى بالمكانة التى نعيشها، العرب أصحاب حضارة قديمة، ويمكن أنا أظهرت هذا فى فيلم «المصير» مع المخرج العالمى الراحل يوسف شاهين، والفن العربى بتظهر أوقات ليه، بتبقى عصوره منورة ساطعة، وعصور مشكوك فى أمرها، فالفن أحيانا بيكون يوم حلو ويوم مر، لكن الحلو قادم إن شاء الله، وأنا أرى أن الأغنية العربية فى بعض الأوقات صوتها يَضعف، ولكن يظل التراكم فيها عامل مؤثر مهم جدا، لإن الإنسان كل يوم يستفاد بكلمة جديدة وبخطوة جديدة ومعنى جديد، لأن ما أحوجنا فى هذا الوقت إلى أغانى جادة، وأنا لم أنسَ دورى فى 25 يناير عندما قدمت أغنية «إزاى ترضيلى حبيبتى»، وشبه اتهمت بالتحريض، ولم أكن محرضا، ولكن كنت أحب حب العاشق الملهم ببلده.
نعود للوراء، كيف كانت بدايات الشاب النوبى محمد منير حتى مجيئه إلى القاهرة للدراسة بكلية الفنون التطبيقية، وما الصعوبات التى واجهتك؟
النوبة قضية بسيطة جدا ولها فنها الخاص، ومن الممكن أن يتعرض لها أى مجتمع فى أى موضوع، والنوبة كانت سببا من أسباب عشقى للغناء منذ الصغر، وفى فترة الستينيات والسبعينيات كانت هناك موسيقى معينة منتشرة ومسيطرة على الساحة، وكان أمامى تحدّ كبير، وهو أنه أظهر هذا الفن المختلف والجديد على الساحة، وما قدمته منذ الصغر فى النوبة كان بمثابة صورة أريد، أن أوصلها لباقى المجتمع المصرى، خاصة أن النوبة وقتها كانت مُهملة وتواجه تجاهلا شديدا من الإعلام، وعندما قدمت أولى أغانىَّ من النوبة كانت جديدة على المجتمع المصرى، مثلها مثل الأغانى التى قدمت باللهجة الفلاحى أو الصعيدى، وعندما بدأت فى القاهرة فى نهاية 78 كان أمامى معنى آخر، وهو أنك تكون مغنيا عربيا، فالمغنى المصرى هو أنا تعرفه حدود بلده، لكن المغنى العربى هو أن يُعرف من المحيط للخليج.
على أى أساس يختار الكينج محمد منير أغانيه.. وهل هناك خطة تضعها أمامك أثناء الاختيار؟
فى حياتى لم أضع خطة أثناء اختيار الأغانى التى أقدمها، ولكن الظروف المحيطة هى التى تفرض عليا نوعية ما أقدمه، وهنا أقصد الظروف العربية وليست المصرية فحسب، فالأحداث متلاحقة وكل يوم بنفاجئ بشىء جديد، وأنا دائما أضع أمام عينى أن الفنان لابد أن يكون صورة صادقة لفنه ومجتمعه، ولذلك أتجه للأغانى التى تمسنى وتمس أحلامنا، والآن صعب جداً أن أجد كلمة ولحن عظيم، زمان كنت ممكن فى شهر واحد أنتهى من ألبوم كامل، لكن الآن أعانى كى أجد لحن واحدا أو شعرا يعجبنى، وما يزعجنى أننى أتفاجئ بشعراء يطلقون على أنفسهم نجم الشعر العربى، وأمير الشعر الفلانى، فدائما أبحث عن الفن الجيد، والكلمات المعبرة، وأتمنى أن أجد فى الأجيال الجديدة ما يُعجبنى، وللأسف الأغنية أصبحت رقمية، إحنا لا نريد أن نعيش الرقم، ولكن نريد أن نعيش الحالة الغنائية، ونتذكر الأغنية المصرية والعربية الجيدة عبر التاريخ، وأنا الحمد لله غنيت لأساطير الشعر، وكانوا بسطاء ولم يطلقوا على أنفسهم ألقابا فارغة، فغنيت لفؤاد حداد وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب.
على قد الحب بيبقى اللوم، وأنا باقى عليكم إنما مهموم، لمن يقدم محمد منير كلمات أغنيته الجديدة التى طرحتها منذ أيام قليلة.. وهل توقعت هذا النجاح الكبير والسريع؟
الإجابة هى باختصار، أن المسافة طالت بين الأغنية الجادة، والأغنية السطحية، ونحن فى هذا التوقيت محتاجين أغنية جادة تعيد لنا التوازن، خاصة أن الفن له دور أهم من السلاح، وأنا كنت متوقعا لنفسى بالفعل هذا النجاح ، وما أتوقعه لنفسى يتحقق، أو بمعنى أدق ما تصدقه لنفسك لابد أن يصدقه الأخرون، أما كلمات الأغنية فبقولها لكل مواطن مصرى مهموم على بلده، حريص على أن يبنيها ويشوفها فى صورة أفضل، وفى مكانة أفضل، وفى مستقبل مشرق زاهى لينا، لأننا نستحق هذا.
علمت أنك تستعد بالفعل لأغنية أخرى جديدة تعيدك للتعاون مع حبيبك الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى.. فما صحة هذه المعلومة؟
بالفعل أحضر لأغنية من كلمات حبيبى وأخويا وملهمى ومُعلمى عبدالرحمن الأبنودى، تحمل عنوان «مصر السمرة»، سيتم طرحها فى القريب العاجل، وأقدمها لأن حاسس إن وطننا محتاج لده، وسأنتهى من تسجيلها فى خلال 3 أو 4 أيام، وسيتم تصويرها بطريقة الفيديو كليب.
كيف يرى كينج الأغنية العربية مصطلح «الجمهور عايز كده»، بتقديم أغانى هابطة بكلمات رديئة تسىء للفن المصرى؟
مافيش حاجة اسمها الجمهور عايز كده، الجمهور طول عمره بيستمع للفن الجيد، وإلا كنا اختصرنا الموضوع وذهبنا خلف الأغانى السطحية، وهنا يأتى دور الفنان الواعى وهو حسن الاختيار، وأقولها مرارا وتكرارا كل الأغانى السطحية ستمحو سريعاً من الذاكرة، ولن تستمر، فليس هناك فن ينبع من فراغ، فلابد أن يكون هناك شىء يُحركه، فهناك فن للترفيه والتسلية، وفن آخر يحمل قضايا وفكرا وجدية فى التناول، وما أحوج مجتمعنا العربى خلال هذه الفترة لشىء جاد يتناول وجوهنا الحالية.
الدويتوهات الغنائية التى قدمتها حققت بالفعل نجاحا كبيرا للغاية، مثل «ليه يا دنيا» مع خالد عجاج، ومؤخرا ومنذ سنوات قليلة أغنية «القاهرة» مع عمرو دياب.. فما الشروط التى يضعها منير فى المطرب كى يقدم معه «ديو غنائى».
لا أضع شروطا على الإطلاق، فلو أتى لى طفل عمره 4 سنين وهيضيف لأغنيتى، لن أتردد، فمثلا ديو عمرو دياب «القاهرة»، كنا بنغنى للقاهرة وكانت ملائمة لينا إحنا الاثنين، وحققت نجاحا جماهيريا كبيرا للغاية.
«آه يا أسمرانى» أغنية الراحلة شادية من كلمات الأبنودى.. هل منير وقع فى غرام سمراء فأعاد تقديم هذه الأغنية والتى حققت نجاحا كبيرا للغاية؟
السمراء عندى عمرها ما كانت لون بنت، فهى لون الأرض العربية، وسعدت بالفعل لتقديمى لهذه الأغنية بموسيقى جديدة، وبالفعل حققت نجاحا كبيرا الحمد لله، لكن الأغنية طيلة حياتها ناجحة.
طيب «سو ياسو حبيبى حبسوه»، من كان يقصد منير بهذه الأغنية؟
كنت أقصد العسكرى الإنجليزى أثناء الاحتلال البريطانى، والذى كان يمشى ويقول «سو».
من وجه نظر محمد منير.. ما هو مفهوم الأغنية السياسية؟
مفهوم الأغنية السياسية، هى أغنية الشارع، وما يتطلبه الشارع ويعبر عنه وعن أحلامه.
أين محمد منير من الغناء فى الأوبرا، وسر عدم إحيائك حفلات بها؟
بصراحة وبدون غرور ولله الفضل، لأن الأعداد التى تأتى لحفلاتى أكبر بكثير من مقاعد الأوبرا.
تميز منير طيلة حياته بالملابس الكاجوال وأحياناً غير المهندمة.. فما السر وراء ذلك؟
الغناء بالنسبة لى، كأنى بتخانق، بمثابة حرية ومعركة أخوضها على المسرح، فلا أستطيع أن أغنى ببدلة وكرفتة..ضاحكا: «ربنا خلقنى كده وأنا مستريح كده».
ما الرسالة التى توجهها لجمهورك فى مصر ومختلف البلدان العربية؟
ربنا يخليكم ليا تدعمونى، وبدعمكم ده أنا مستمر، وبدعمكم أنا فى صحة جيدة، وبدعمكم غيركم سيستشعر الجدية، وسيستشعر من الجمهور أهمية أن يكون لك موقف لصالح وطنك، وما أجمل أن يكون الإنسان له موقف لوطنه».