وضعه القدر فى خانة الموهوبين من مبدعى الفن الذين يبقون دائما فى خط الوسط ولا يحظون بالبطولات المطلقة رغم موهبتهم وقدراتهم الفنية الكبيرة، هؤلاء الذين يحصدون حب الجمهور ويرسخون فى وجدانه بأدوار ومشاهد لا تنسى، رغم أنها لا تعبر عن كل مخزون الإبداع الذى يحملونه ولا يجد مساحة مناسبة كى يظهر، ورغم أنهم لا يتمتعون بما يتمتع به أصحاب البطولات المطلقة والأدوار الأولى من شهرة وأضواء بما تستتبعه من مكاسب، إلا أنهم يستطيعون بقوة أن يبقوا فى الوجدان والذاكرة حتى وإن غابوا.
إنه الفنان الكبير أسامة عباس الذى احتفل بالأمس بعيد ميلاده، فهو من مواليد 22 سبتمبر من عام 1939، أحد نجوم خط الوسط وصانعى الأهداف الفنية، القادر على تجسيد الخير والشر والكوميديا والتراجيديا بنفس القوة، على الرغم من أنه بدأ حياته الفنية بأدوار الشر، فأبدع فيها ومنها دوره فى المسلسل الشهير "أبنائى الأعزاء شكرا"، وأدواره التى جسد فيها شخصية اليهودى فى دموع فى عيون وقحة "الجاسوس ابراهام كلود"، و"أورلوزروف" فى مسلسل رأفت الهجان.
يبكيك حين تراه مجسدا المعاناة النفسية والإنسانية فى شخصية "شكرى الهوارى"رجل الأعمال الذي يشرف على الموت ويعيش أخر أيامه فى مسلسل "أوبرا وعايدة"، وحين جسد دور اللواء المتقاعد "عصمت عبدالحميد" فى مسلسل سابع جار، ويضحكك حين يقدم الكوميديا، ومنها أدواره فى مسلسلات "النساء قادمون، يا رجال العالم اتحدوا، أنا وبابا وماما" وغيرها، وأفلام: "خالتى فرنسا، هاللو أمريكا، ليلة القبض على بكيزة وزغلول".
وبين البدايات والأعمال الأخيرة عشرات الأعمال الأخرى التى أبدع وتنوع فيها الفنان الكبير أسامة عباس الذى عشقه الجمهور وصدقه فى كل ما قدم من أدوار وأعمال.
ابتعد الفنان الكبير أسامة عباس بعد مسلسل سابع جار ومشاركته الزعيم عادل إمام فى مسلسل عوالم خفية.
تحدثنا مع الفنان الكبير الذى عبرت كلماته القليلة عن معان كثيرة تشمل حكمة الزمن والتصالح مع الواقع رغم حالة الحزن الممزوج بكبرياء الفنان، فبدأ قائلا: "بقالى 50 سنة باشتغل، كفاية كده أرتاح علشان الناس تفضل تحبنى".
وتابع الفنان الكبير لـ"عين"، مفسرا غيابه: "اللى بيتعرض عليا حاجات ساذجة مش عاوز أقبل حاجة منها، فبدل الناس ما تسأل انت فين تقوللى عملت ده ليه ؟ أنا عاوز أحتفظ بحب الناس".
وبكبرياء الفنان وتصالحه مع نفسه قال أسامة عباس :"ده تطور طبيعى زى مااحنا جينا واشتغلنا، والجيل اللى قبلنا مااشتغلش، دلوقت فى أجيال بتشتغل واحنا مانشتغلش ودى سنة الحياة".
سألناه إن كنا نعانى من أزمة فى كتابة الأدوار التى تعبر عن الشريحة العمرية الأكبر سنا فأجاب: "ماعندناش كتابات كتير للكبار، ودى حاجة يتسأل عليها الكتاب، ويوم ما تجيلى حاجة كويسة هاشتغلها".
وأضاف: "جايز فى أدوار كويسة بتتعرض على الآخرين، ولكنى لا أحاول فرض نفسى، وأكتفى بالقراءة والاستمتاع بحياتى مع أسرتى، وما عنديش أزمة".
"أنا راضى ومقتنع بالتطور الطبيعى للحياة؛ لأنها مش هتقف على حد، جيلنا خلاص متشكرين، وفى أجيال وأسماء جديدة ورنانة، وكلها يومين والجيل يخلص وينتهى"، وبحزن ساخر يقول الفنان الكبير: "لما حد بيموت بنفتكره، وهذا الكلام ليس تشاؤما لكنه التطور الطبيعى للحياة والدنيا كده".
سألناه عن الشائعة التى طالما ترددت عنه، وهى خطوبته من سوزان مبارك قبل زواجها من الرئيس الأسبق فقال: "الكلام عن خطوبتى لسوزان مبارك إشاعة سخيفة وكلام عبيط، إحنا كنا جيران فى شارع واحد أيام الطفولة، وهى أكبر منى، وعندما تزوجت من مبارك كنت أنا تلميذ فى توجيهى، وكان أخوها منير صاحبى".
يذكر أن الفنان الكبير أسامة عباس حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1961، حيث عمل فى بداية حياته بالمحاماة، وبدأ حياته الفنية فى أواخر الستينات، حيث انضم لفرقة ثلاثى أضواء المسرح، وشارك معها فى عدد من المسرحيات، منها: (طبيخ الملائكة، أحدث امرأة فى العالم، فندق الأشغال الشاقة، جوليو ورومييت)، ثم انضم لفرقة المدبوليزم، وشارك فى عروضها بين عامى 1975 و1979.
وعمل أسامة عباس بشكل مكثف فى الدراما التليفزيونية، فقدم عشرات المسلسلات، وتنوعت أدواره فقدم كل ألوان التمثيل الكوميدى والتراجيدى والتاريخى والاجتماعى، وشارك فى روائع الأعمال الدرامية، ومنها: (رحلة السيد أبو العلا البشرى، دموع فى عيون وقحة، بوابة الحلوانى، رأفت الهجان، أوبرا عايدة، السيرة الهلالية، الحاوى، هارون الرشيد، أوراق مصرية، الناس فى كفر عسكر، ماما فى القسم"، ولا يزال الفنان الكبير يمتلك من الإبداع والموهبة ما لم يقدمه بعد، وما ينتظره جمهوره.