يحتفل اليوم الجمهور العربى بميلاد عمدة الفن وأحد أسطواته الكبار الفنان المبدع صلاح السعدنى الذى ولد فى مثل هذا اليوم الموافق 23 أكتوبر عام 1943.
ورغم غيابه منذ سنوات لا يزال العمدة حاضرا بفنه الراقى وأعماله الخالدة الراسخة فى أذهان الملايين، يشتاق جمهوره إلى طلته وإبداعه، ولا يجد الفن من يملأ مكانه.
صلاح السعدنى ابن البلد والحى الشعبى، صاحب المبادئ، والفلاح، العترة، الشهم خفيف الظل الذى يحمل بعضا من صفات الأسطى حسن أرابيسك الفنان الذى يمتلك صنعة وقدرات لا يمتلكها غيره فلا يتعامل مع هذه القدرات كوسيلة للكسب ولا يهمه الكم، يكتفى بكنوز وروائع من القطع الفنية النادرة المحفورة فى أذهان جمهوره، وهو «نصر وهدان القط» صاحب المبادئ والباحث عن الكنوز فى «حلم الجنوبى»، ولهذه الأسباب ربما لا يتناسب عدد الأعمال التى قدمها السعدنى مع الإمكانيات الفنية الهائلة التى يمتلكها.
صلاح السعدنى خير من قدم شخصية العمدة فى الدراما، حين أبدع وقدم شخصية العمدة سليمان غانم فى رائعة أسامة أنور عكاشة «ليالى الحلمية»، وهو الفنان المثقف ذو الأصول الريفية الذى شرب الثقافة والأدب من شقيقه الأكبر الكاتب الساخر محمود السعدنى وحمل بعضا من صفاته.
بدأت موهبة صلاح السعدنى تظهر منذ كان طالبا بالمدرسة السعيدية، وبعدما التحق بكلية الزراعة تعرف على أصدقاء عمره، عادل إمام وسعيد صالح ونور الشريف وبدأت تسطع نجوميتهم فى مسرح الجامعة.
كان الأخ الأكبر محمود السعدنى يصطحب شقيقه الفنان الناشئ إلى قهوة «محمد عبد الله» بميدان الجيزة، التى كانت بمثابة صالون ثقافى يجمع أهل الأدب والشعر، مثل عبد الرحمن الخميسى، ونعمان عاشور، وزكريا الحجاوى، ويوسف إدريس، فاكتسب صلاح السعدنى الكثير الخبرات الحياتية والفنية والثقافية.
وبدأ السعدنى حياته الفنية فى الستينيات، حيث شارك فى مسلسلى الرحيل والضحية، وفى السبعينيات شارك فى عدد من الأعمال السينمائية المهمة، ورغم أنه كان فى بداياته فإنه استطاع أن يجد له مكانا بين عمالقة الفن، عندما قدم شخصية علوانى فى فيلم الأرض، كما شارك فى فيلم "الرصاصة لا تزال فى جيبى، مدرستى الحسناء، أغنية على الممر"، وغيرها.
وخلال فترة الثمانينيات تألق السعدنى وقدم أهم أعماله، ورغم قلة أعماله السينمائية مقارنة بما قدمه للشاشة الصغيرة من أعمال درامية، فإنه شارك فى عدد من الأفلام المهمة، ومنها «الموظفون فى الأرض، قضية عم أحمد، ملف فى الأداب، شحاتين ونبلاء، زمن حاتم زهران، فوزية البرجوازية، المراكبى، وغيرها»، كما قدم عددا من الأعمال المسرحية ومنها: «الناصر صلاح الدين، ثورة الموتى، الملك هو الملك، باللو باللو».
وازداد تألق العمدة فى روائع الأعمال الدرامية التى صنعها عمالقة الدراما أمثال أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ ومحمد صفاء عامر، فرسخ فى وجدان الجماهير بشخصيات وأدوار أصبحت علامات فى تاريخ الدراما، ومنها: عاطف فى «أبنائى الأعزاء شكرا»، العمدة سليمان غانم فى «ليالى الحلمية»، نصر وهدان القط فى «حلم الجنوبى»، دكتور عزيز محفوظ فى «الأصدقاء»، الحاج عبد القادر عوف فى «كفر عسكر»، المعلم إبراهيم العقاد فى «الباطنية» والحسينى رضوان فى رجل فى زمن العولمة، وغيرها الكثير، وكان آخر الأدوار التى قدمها عمدة الفن شخصية عبد القادر فى مسلسل "القاصرات" عام 2013.
ومن بعده ابتعد صلاح السعدنى وترك فراغا كبيرا، سيطرت عليه حالة من الحزن بعد وفاة أقرب أصدقائه ورفقاء رحلة إبداعه، الذى قال إنهم يمثلون جزءا مهما من عمره، وجمعته معهم أجمل ذكريات الصبا والشباب، نور الشريف ومحمد وفيق ومحمود عبد العزيز، وأسامة أنور عكاشة، وإسماعيل عبد الحافظ ومحمد صفاء عامر، كما عانى من بعض الظروف الصحية.
ويعيش عمدة الدراما حاليا بعيدا عن الأضواء، يقضى أغلب أوقاته مع أحفاده، وأسرته مكتفيا بهذا القدر من الإبداع، بينما يشتاق إليه جمهوره، ولسان حاله يقول تركت فراغا كبيرا ووحشتنا يا عم صلاح.