يقدم الفنان القدير صبري فواز في مسلسل "الشرنقة"، أداءً استثنائيًا يجعل شخصيته "محسن مرجان" بمثابة تجسيد حديث لدور الشيطان في أسطورة فاوست. فكما أغوى ميفيستوفيليس البطل في القصة الشهيرة لبيع روحه مقابل القوة والمعرفة، يلعب فواز الدور نفسه مع حازم (أحمد داود)، حيث يُدخله إلى عالم الفساد، ويفتح له الأبواب، ويقوده بخطوات محسوبة نحو الهاوية.
تمامًا كما كان الشيطان في "فاوست" محركا الأحداث، فإن صبري فواز في "الشرنقة" هو "مهندس الغواية" الذي يرسم طريق السقوط للبطل، لا يدفعه مباشرة، لكنه يمنحه الفرصة، ويوفر له الإغراءات، ويجعله يعتقد أن الطريق ممهد نحو السلطة والثراء، حتى يجد نفسه غارقًا في الوحل بلا رجعة.
ولأن "الشرنقة" ليس مجرد مسلسل عن الصعود والسقوط، بل هو تأمل في إغراءات السلطة والمال، وكيف يمكن لشخص أن يتحول من مجرد طامح إلى غارق في وحل الفساد، يأتي دور صبري فواز في هذه الرحلة وكأنه "الدليل إلى الجحيم"، فهو يعرف الطريق جيدًا، ويسير فيه دون تردد، بل يجذب الآخرين إليه بحنكة شيطانية.
في "الشرنقة"، يدخل حازم (أحمد داود) إلى عالم الجريمة تحت غطاء الطموح والترقي الاجتماعي، لكنه يجد نفسه متورطًا فيه بلا قدرة على التراجع. وهنا يأتي دور محسن مرجان (صبري فواز) – الشخصية المحورية في الأحداث-، فهو ليس مجرد مرشد أو مساعد، بل المستفيد الأول، اللاعب الحقيقي في الخلفية، والذي يحرك الخيوط بمهارة، ويعرف كيف يستغل الأمور لصالحه.
صبري فواز في هذا الدور لا يقدم شخصية شريرة تقليدية، بل تحمل إغواءً خاصًا، لا تستخدم العنف أو الفرض، وإنما تعتمد على الإقناع، على منح البطل الشعور بأنه يسيطر على الأمور، قبل أن يكتشف أنه مجرد دمية في يد سيد اللعبة الحقيقي.
ولعل أبرز ما يميز أداؤه في هذا الدور، سيطرته على التلوين الصوتي والانفعالي، حيث يتحكم في وقع كلماته، فيخرج الحوار من فمه وكأنه سمّ زعاف مغلف بالعسل، يجذب الآخرين إلى دوائر الفساد دون أن يدركوا أنهم سقطوا بالفعل. كل كلمة محسوبة، كل نظرة مقصودة، فلا يكون مجرد ممثل يؤدي دورًا، بل شخصية تحيا على الشاشة.
وخلال سباق دراما رمضان الحالي، استطاع صبري فواز التنقل بين مساحات تمثيلية مختلفة بين الكوميديا والشر، كما في "الشرنقة" و"شهادة معاملة أطفال"، ليبرهن على قدرته على التلون بين تلك الأدوار دون أن يفقد هويته الخاصة. لكنه في "الشرنقة" بالتحديد، يقدم شخصية تترك بصمة لا تُنسى، شخصية لا تدفعك إلى كراهيتها تمامًا، بل تجعلك مفتونًا بذكائها، يجعلنا ندرك أن بعض الشرور لا تحتاج إلى العنف أو التهديد، بل تكفيها الكلمات المعسولة، والفرص المغرية، والوعود الكاذبة.
في النهاية، صبري فواز واحد من أكثر الممثلين براعة في التلون بين الأدوار، فهو قادر على تجسيد الشرير دون أن يكون نمطيًا، وعلى تقديم الشخصية المركبة دون أن تصبح مفتعلة، وفي "الشرنقة"، ثبت مجددًا أنه ليس مجرد "مشخصاتي" قادر على أداء أدوار متنوعة، بل فنان يتحكم في تفاصيل الشخصية حتى في أدق تعبيراتها.