لا يكتمل الصيف ولياليه الساهرة إلا بنجوم الأغنية الشعبية، فحفلاتهم مختلفة كما تختلف أغنياتهم، وأصواتهم أيضا مختلفة وما تحمله من قدرات وعُرب لا يمكن أن تقارن بغيرهم من المطربين، ولذلك يشهد موسم الصيف هذا العام على حضورا قويا لنجوم الأغنية الشعبية وعلى رأسهم محمد عدوية وعبد الباسط حمودة ومحمود الليثى وبوسى وغيرهم.
وإذا تتبعنا تاريخ الأغنية الشعبية، سنجد أن الزمن توقف بآلته كثيرا أمام الفن الذى قرر أن يقدمه النجم الكبير أحمد عدوية، ويطور به من شكل الأغنية الشعبية الذى كان محصورا بعض الشئ فى الغناء المتأثر بفن أبناء الدلتا، أوالشعبى الفلاحى كما يطلقون عليه، والذى كان متأثرا كثيرا بالمواويل الدينية، ومديح آل البيت، والغناء الشعبى النوبى الذى ولد في الصعيد، وكان أيضا يعتمد على المواويل الصعيدية، وقدمه كل من محمد رشدي والعزبي، حتى أن عبد الحليم حافظ اقترب منه فى رائعته «وأنا كل ما أقول التوبة يا أبوى»، فجاء عدوية ليغير كل هذا ويقترب من الجمهور بشكل أوسع.
وقرر عدوية أن يستخدم الكلمات الدارجة والعامية الفجة، فى أعماله ومنها أغنية «السح الدح إمبو»، وهى التى قلبت موازين الأغنية الشعبية من جهة، ثم قلبت الدنيا بالهجوم على أحمد عدوية نفسه، فقد اتهمه المثقفون والفنانون وقتها بأنه مطرب «مُسف» تعتمد أغانيه على الإسفاف والاضمحلال.
لكن أحمد عدوية لم ينهزم ولم يتسلل الإحباط إلى قلبه، وقرر أن يستكمل مشواره الذى بدأه وجمع حوله آلافا من المعجبين، وليقترب منهم أكثر تحدث فى أغانيه عن أحوالهم ومشاكلهم وأزماتهم، فغنى رائعتيه «زحمة يا دنيا زحمة»، و«يابنت السلطان»، واللتان حققتا نجاحا لم يقترب منه أى نجاح خلال هذه الفترة، واستمر عدوية فى تقديم روائعه التى اضطر الجميع لقبولها والتعامل معها بعد الهجوم الشديد الذى تعرض له فى بداية رحلته، حتى تعرض لأزمة صحية تسببت فى تراجعه كثيرا وعدم ظهوره على الساحة، حتى عاد مؤخرا وقرر أن يقدم ألبوما يحمل اسمه وبصوته.
وخلال فترة اختفاء عدوية، وجد بعض المطربين الفرصة فى الظهرو، فالجمهور متعطش لهذه النوعية من الغناء، ورغم وجود عدد من الطربين إلا أن تأثيرهم لم يكن كبيرا مثل عدوية، حتى ظهر حكيم، فأضاف للأغنية الشعبية شكلا وطعما جديدين، لأن أغانيه تحمل الطابع الشعبى الممزوج بالموسيقى الشرقى، والمعتمد على الإيقاعات الغربية السريعة.
واستطاع حكيم أن يحقق حلما لطالما حلم به كثير من نجوم الأغنية الشعبية عندما وصل للعالمية بعدد من الدويتوهات مع نجوم عالميين مثل جيمس براون ، فالعالمية تكمن في قمة المحلية، وهذا ما أكد عليه حكيم، ومع تصدر حكيم للأغنية الشعبية ظهرت ألوانا مختلفة من الغناء الشعبى، وكان البطل الأول لهذه الألوان، المطرب شعبان عبد الرحيم، الذى اعتمد فقط على تيمة واحدة لكل أغانيه ، مع «بحة» صوته الشعبية، وأخذت شعبية شعبان تزداد بسبب حرصه على الحديث عن أمور غريبة وقضايا لم يتطرق لها أحد، وذلك من خلال أغانيه التى يعد الشاعر إسلام خليل هو الجندى المجهول ورائها، وقدم أغانى «هبطل السجاير، وأنا بكره إسرائيل، وبحب عمرو موسى، وحياة أمك»، وغيرها.
وظهر مع شعبان عبد الرحيم المطرب الشعبى عبد الباسط حمودة، الذى تميز بصوته الجديد والمختلف، وأيضا نوعية الأغانى والألحان التي يختارها، وتعتمد بشكل أكبر على القصص وفن الرواية، وتميل أكثر للجوانب الإنسانية، فقدم عددا من الأغان الشهيرة، ثم عاد إلى بريقه بأغنية «أنا مش عارفنى».
وظهر أيضا الفن الشعبى الذى قدمه سعد الصغير، واعتمد خلاله على الإيقاعات والاستعراضات الراقصة وسط فرقة، وقدم سعد المطربة الشعبية أمينة والتى أعادت الصوت النسائى للأغنية الشعبية، ومن بعدها بوسى، وكانت موضوعات أغنياتهما هى العامل الأساسى فى ذيع صيتهما.
كما ظهر محمود الليثى ليغير قليلا فى شكل الأغنية الشعبية، فقد جعلها ذات ألحان أقرب للابتهالات، مع مزيج من الموسيقى الراقصة والإيقاعات، وكان للدويتو الذى جمعه بالراقصة صافيناز سببا هاما فى شهرته ونجاحه فى السينما.
وأخيرا ظهرت أغانى المهرجانات، والتى اعتبرها البعض شكلا من أشكال الأغنية الشعبية، وتعتمد فى المقام الأول على توزيعاتها المختلفة بالإضافة إلى «الأوتوتيون»، والإيقاعات، والأفكار التى تقدمها كلماتها، واشتهر من نجوم المهرجانات، أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا، وأخيرا «أولاد سليم اللبانين» الذين حققوا عدد مشاهدات بأغنيتهم الشهيرة التى تحمل اسمهم تخطت الملايين خلال العام الماضى.