لا شك أن السينما مرآة الواقع، لكن في أحيان كثيرة، بالغ القائمين على السينما في تقديم مساوئ وصفات فئات أو مهن بعينها، فمثلا اتخذت الأدوار الصعيدية في السينما، من الغباء سمة تلتصق بكل أصحابها، بعكس الحقيقة التى تؤكد أن أغلب أوائل الطلبة بمدارس وجامعات مصر من الصعيد، واستمرت السينما في إلصاق تهم غير حقيقية بالشخصيات التي تقدمها، فالفلاح ساذج، والممرضة لعوب، والسكرتيرة التى لا يشغلها سوى الخيانة، أما الخادمة فهي إما سارقة محترفة أو خائنة لسيدتها، والمحامى بلا ضمير، وسنستذكر سويا أشهر المغالطات التي وصفت بها السينما، البعض خلال على اختلاف أفلامها..
بدأ إسماعيل ياسين هذا الأمر، فى فيلمه (العتبة الخضرا)، حين تحول الفلاح على يده من فلاح فصيح كما عرفه الفراعنة في القصص التي كتبت على جدران المعابد، إلى شخص "عبيط" يعتقد أن بإمكانه شراء ما يحلو له طالما يملك الثمن، وبالتالى اشترى منطقة العتبة الخضراء بكل ما فيها.
وقد سار عادل إمام على نفس الخط الذى رسمه إسماعيل ياسين، حينما قدم شخصية الفلاح الساذج ببراعة فى أفلام مثل مثل الخط، المتسول، وعنتر شايل سيفه، لتكون خطوة مهمة فى مشواره، ومؤخرا يقدم نفس الدور سعد الصغير دور الصعيدي الذي وصفه بأغبى شخص في العالم من خلال فيلمه الجديد ولاد أبو إسماعيل.
اسماعيل ياسين واحمد مظهر فى فيلم العتبة الخضراء
ومن الفلاح إلى الصعيدى الذي أتت عليه السينما وذهبت، بداية من عبد الغنى النجدى هذا الممثل الذى يعد أشهر من قدم دور الصعيدى الساذج فى أفلام إسماعيل ياسين بفترة الستينات، مرورا بعادل إمام، وتحديدا في فيلم (الخط) الذى قدم به شخصية الفلاح الطيب الذى يلجأ لحيلة الصعيدى الكوميدى عبر شخصية الخط، ووصولا لنجوم الألفية الجديدة وعلى رأسهم هنيدى الذى اتخذ من دور الصعيدى نقطة انطلاق دفعته للنجومية بسرعة الصاروخ بعد أن برع في تقديم دور الصعيدي الساذج بفيلم (صعيدى فى الجامعة الأمريكية)، الذى حقق نجاحاً منقطع النظير على مستوى الإيرادات ليكرر التجربة مجددا بفيلم (عسكر فى المعسكر)، ومنه إلى هانى رمزى بفيلم (صعيدى رايح جاى).
عبد الغنى النجدى
أما الممرضة التى يعتبرها العالم كله ملاك رحمة فصورتها السينما المصرية في صورة متدنية تعكس عدم الإحترام، كونها امرأة لعوب، تتخذ من ردائها الأبيض ساترا لتفعل ما يحلو لها، وهو ما حدث مع أميرة فتحي في فيلم (صباحو كدب).
ومن الممرضة إلى المحامى الذى تحول شيئاً فشيئ من رجل القانون يهتم برد حقوق المظلومين، كما في فيلم (مجرم فى أجازة) الذى برع عماد حمدى خلاله فى دور المحامى الذى يؤمن بأن المجرم ما هو إلا ضحية لظروف معينة ينبغي تغييرها لتتغير نظرته نحوه، ليصبح الشخص الذى يستغل ثغرات القانون لصالح فساد موكليه مثلما حدث فى فيلم (ضد الحكومة) مع أحمد ذكى الذي لم تشفع له خطبته أمام المحكمة في نهاية الفيلم، ما قدمه من أخلاق وصورة سيئة للمحامي.
وهي نفس الأخلاق التي قدمها عادل إمام للمحامي في فيلمه الشهيرالأفوكاتو، وكيف يبرئ الظالم ليورط مكانه المظلوم.
وأخيراً يأتي دور الصحافة، فقد عبر كثير من المخرجين عن إجلالهم لهذه المهنة وتقديرهم لأصحابها، إلا أن الأكثر منهم أساءوا لمهنة الصحافة، كما بفيلم (فى دموع صاحب الجلالة) التي أظهرت الصحفي بائعا لضميره وقسمه الذي أقسم عليه، فهو يكسب وينافق رئيس تحريره ويتجسس على زملائه، ويدوس على أي شئ في سبيل تحقيق هدفه في جمع الثروة والشهرة، وكان كمال الشناوي قد قدم نفس هذه الأخلاقيات السيئة خلال فيلم (اللص والكلاب) عبر شخصية رؤوف علوان الصحفى الوصولى الذى باع ضميره وتخلى عن مبادئه، أيضاً فأحمد ذكى فى فيلم (امرأة واحدة لا تكفى) كان استمراراً لتلك النوعية من الأدوار.