اقتراح خيالى يغلفه طموح وحب للسينما ورائحة أفلامها ومهرجانات وحواديتها التى لا تنتهى، صدر عن الفنانة بشرى فى إحدى الجلسات التى جمعتها بالمنظم الذى أعلن رسميا عن عشقه للفن والسينما "عمرو المنسى"، قالت بعفوية "ماتيجى نعمل مهرجان الجونة للسينما يا عمرو".
لم تتخيل بشرى أن ينتقل اقتراحها إلى عقل وخيال عمرو بنفس الحماس والنشاط والسعى، الذى انتقل بدوره أيضا إلى اثنين من عشاق السينما والأفلام والفن، المهندس نجيب ساويرس، وشقيقه سميح ساويرس، وكأن هناك قوة أكبر من مجرد حب السينما حركت كل هؤلاء، قوة ممتزجة بخيوط من أسماء كبيرة حفرت فى وجدانهم وأضافت للفن المصرى وأثرت السينما المصرية بأعمال كانت محركا لمشاعرهم ومصدرا لطاقتهم، قوة يحفها من كل اتجاه، حى وطن غالى وبلد عرفت بحضارتها وحب أهلها للفن منذ أكثر من 7 آلاف سنة وتقديرهم لكل ألوان الفنون التى سجلوها بنقوشات صارت تضاهى المعجزات الكونية لكن بأياد بشرية، قوة تدفعها أرواح عشقت السينما وأمدتها بالحياة فى أوقات الخطر، لتظل ثابتة ومستمرة وخالدة.
ومن هنا بدأ العمل على الفكرة، وقرر آل ساويرس منذ اللحظة الأولى أنه إذا ما بدأوا العمل على مهرجان سينمائى فعليه أن يؤكد على مقولة "100 سنة سينما" المعروفة بها السينما المصرية، ولابد أن يولد هذا المهرجان كبيرا ليس فقط بما يتناسب مع حجم أسمائهما وحبهما للسينما، لكن أيضا لأنه سيحمل اسم مصر وينافس بهذا الاسم وسط كبار المهرجانات الدولية والعالمية لينتبه الجميع أن مصر هنا كانت وتعلن عن نفسها، وستظل تحفظ مكانتها الفنية والثقافية فى العالم أجمع، وهذا هو الهدف والرسالة الأسمى وسط كل هذه التفاصيل.
الحلم بات حقيقة وشهد الأسبوع الماضى افتتاح الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائى، الذى كان حادثا سعيدا لمصر ومبدعيها ومحبيها فى كل مكان من العالم، سعيد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سعيد بكل ما له وما عليه، سعيد بنجومه وبشبابه وبصناعه وإصراره وبمجهود شهور وشهور تكللت فى النهاية بصورة مشرفة عن صناعة السينما فى مصر.
حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائى حمل كثيرا من التفاصيل واللقطات، أبرزها وقد يكون الأهم على الإطلاق هو الزعيم عادل إمام، فإذا كان القائمون على المهرجان قد فكروا فى كل ما سبق وأصابوا مائة بالمائة فيما فكروا فيه ونفذوه، فقد أصابوا مليون بالمئة باختيارهم الزعيم عادل إمام ليكون أول المكرمين فى الدورة الأولى من المهرجان، ليس فقط لأن اسمه وحده كاف ليترك انطباعا ضخما ومهنيا وعميقا وثقيلا لهذا المهرجان، ولكن أيضا لأنه يثبت أن هؤلاء القائمون على مثل هذا المهرجان يفكرون فى الاتجاه السليم، ويسعون لصناعة مجد مبنى على أسس علمية وفنية صحيحة ستجنى ثمارها فى الدورات والسنون المقبلة لا محالة.
كلمة الزعيم عادل إمام خلال حفل الافتتاح أثرت فى ملايين من جماهيره التى جلست مصطفة حول شاشة ON E التى لا يمكن أن نتجاهل المجهود الخرافى الذى قاموا به لتغطية الحدث ونقله من كل زواياه وتفاصيله، لخص الزعيم تكريمه فى أن الفن باق وأن الشعوب وإن نست التاريخ والسياسة وأى شىء، لا يمكن أن ينسوا الفنان، لأن الفنان منهم ومعبر دائم عنهم وعن آلامهم، وأفراحهم وطموحاتهم وتطلعاتهم، ووجه الشكر البالغ للرجل الذى يحبه والذى حضر خصيصا من أجله وهو رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس.
شهدت السجادة الحمراء لمهرجان الجونة ما لذ وطاب من الأنوثة والأناقة والجمال والفساتين واللوكات، فغالبية النجمات اللاتى حرصن على الحضور، حرصن أيضا على أن تكون إطلالاتهن متناسقة مع أهمية ورقى الحدث، ورغم وجود بعض الاستثناءات، إلا أننا وبصفة عامة من الممكن أن نؤكد أن نجمات مهرجان الجونة نجحن فى اختبار الفاشون والأناقة على السجادة الحمراء لمهرجان الجونة السينمائى فى أولى حفلات افتتاحه.
بصفة عامة خرجت الليلة الأولى من المهرجان مشرفة، بالطبع شهدت عددا من السلبيات التى قد يقع فيها أى مهرجان وليد، لكنها مقارنة بحجم الإيجابيات فهى لا تذكر.
ما سبق كان حديثا عن ميكانيزم المهرجان وصورته الذهنية وشكله الذى ظهر عليه، بينما إذا ما تعمقت فى تفاصيل الأفلام والعروض والمسابقات، ستجد أن المهرجان رغم أنه مازال يحبو وفى أيامه الأولى، فهو مهرجان دسم، به أفلام تستحق المنافسة فى كبرى المهرجانات العالمية، وقد اتخذ المهرجان شعار "سينما من أجل الإنسانية" عنوانا له منذ اللحظة الأولى، لذلك ستجد الطابع الإنسانى هو الغالب على معظم الأفلام المشاركة فى المهرجان.
يشارك فى مهرجان الجونة السينمائى 80 فيلما من حوالى 41 دولة، وتقسم هذه الأفلام على مسابقات المهرجان بين مسابقة الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة ومسابقة الأفلام الوثائقية، بالإضافة إلى مسابقة العروض الخاصة، والعروض التى تُقام على هامش المهرجان، ووضعت إدارة المهرجان قيمة مخصصة للجوائز بلغت أكثر من 200 ألف دولار.
حرص القائمون على اختيار الأفلام أن تكون أفلاما ذات طابع دولى، فكثير من الأعمال السينمائية المعروضة فى المهرجان كانت لها تجارب مع مهرجانات سينمائية دولية مثل برلين وكان وفينسيا وتورنتو، ويكفى أن الفيلم السويدى«The Square» للمخرج روبن أوستلاند، قد حصد جائزة السعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائى الدولى.
أحد أهم الأفلام المشاركة أيضا هو فيلم The Insult للمخرج اللبنانى زياد دويرى الذى حصد جائزة كأس فولبى لأفضل ممثل وفاز بها الفلسطينى «كامل الباشا» عن دوره فى الفيلم، وتقوم فكرته حول صراع ينشأ بين مواطن مسلم وآخر مسيحى داخل لبنان، يتطور حتى يصل إلى المحاكم.
أيضا فالفيلم الأمريكى Scary Mother، يشارك بالمسابقة الرسمية، وقد عرض للمرة الأولى بمهرجان لوكارنو السينمائى بسويسرا، وحصد جائزة أفضل فيلم بالمهرجان، ويشارك أيضا فيلم السيرة الذاتية Breathe لمرشح الأوسكار السابق أندرو جارفيلد، والذى حقق ردود فعل واسعة عقب عرضه الأول بمهرجان تورنتو بـكندا.
إذا توجهنا أيضا للأفلام المصرية المشاركة فى المسابقات الرسمية للمهرجان، أو على هامش المهرجان، سنجدها أفلاما مختلفة وخارج الصندوق، وعلى رأسها يأتى فيلم الشيخ جاكسون للنجم الشاب أحمد الفيشاوى والمخرج الموهوب عمرو سلامة، ويكفى أن الفيلم مرشح ليكون ضمن الأفلام المصرية التى سترشح لجائزة الأوسكار العالمية، أيضا فيلم فوتو كوبى لمحمود حميدة وشيرين رضا، فحتى إذا اختلف البعض على ملاحظات وتفاصيل نقدية فى الفيلم، إلا أنه فيلم يلعب خارج الصندوق، بل ويقدم نجماه حميدة وشيرين رضا فى مناطق بعيدة عليهما ولم يخطياها من قبل.