اختتم مهرجان أسوان لسينما المرأة فعالياته التى استمرت من 20- 26 فبراير الجارى دون حضور أو تكريم الفنانة ماجدة الصباحى، انطلقت فعاليات المهرجان تحت اسم المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد ضيفة شرف المهرجان التى حضرت إلى مصر للمرة الثانية ، بعد زيارتها الأولى التى استقبلها خلالها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عام 1962 ،عقب استقلال الجزائر والإفراج عن جميلة ، التى قضت 5 سنوات فى سجون الاحتلال الفرنسى ذاقت خلالها أقسى أنواع التعذيب وحكم عليها بالإعدام.
كنت وغيرى نتوقع أن يتم تكريم الفنانة ماجدة الصباحى وفيلمها، الذى عرفت منه شعوب العالم قصة نضال جميلة بوحيرد خلال هذا المهرجان ، كنموذج رائع لدور السينما فى تحرير الشعوب وتغيير الواقع وإلقاء الضوء على البطولات ، ولكن انتهت أيام المهرجان وخاب توقعى ولم يذكر المهرجان شيئا عن الفنانة ماجدة التى لم يتم دعوتها بالأساس لحضور المهرجان، ومثل أبناء جيلى والأجيال السابقة واللاحقة لم يكن أغلبنا يعرف شيئا عن بطولة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد ، إلا عندما شاهد فيلم ماجدة ، الذى أنتجته وقامت ببطولته عام 1958.
جسدت الفنانة ماجدة فى فيلمها حياة الفدائية الجزائرية الشابة لتعريف العالم بتضحيات وبطولات المقاومة الجزائرية وحياة المناضلات الجزائريات، ونجحت فى توصيل هذه الرسالة بصورة مذهلة ، قدمت دور المناضلة جميلة التى كانت فى العشرين من عمرها عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954، وانضمت لجبهة التحرير الوطنى الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى ، وأصبحت فى صدارة المطلوبين، حتى تم القبض عليها بعد إصابتها برصاصة فى كتفها عام 1957 ، لتلقى أبشع أنواع التعذيب وتم الحكم عليها بالإعدام فى محاكمة صورية.
كانت البطلة جميلة والتى حفظ جميعنا اسمها كما جاء بالفيلم "بوحريد" ، وليس اسمها الحقيقى بوحيرد، تنتظر تنفيذ حكم الإعدام حين قدمت الفنانة ماجدة قصتها، وجابت العالم بفيلمها الذى عرفت كل الشعوب من خلاله مأساة البطلة الجزائرية.
حكت ماجدة الصباحى عن قصة إنتاجها لهذا الفيلم ، مؤكدة أنها كانت تسعى لإنتاج فيلم ضخم، ووقتها لفت انتباهها تداول الصحف لقضية البطلة جميلة بوحيرد، جازفت ماجدة بإنتاج فيلم وطنى وتاريخى، وهى نوعية من الأفلام معروف أنها لا تحقق إيرادات كبيرة ، ولكنها أصرت، وجمعت كل ما نشر عن البطلة الجزائرية، وذهبت إلى الأديب يوسف السباعى لكتابة قصة الفيلم ، واستعانت باللجنة العليا للجزائر التى كانت موجودة فى مصر وقتها للحصول على بعض المواد العلمية عن قصة حياة جميلة ، ثم ذهبت إلى أكبر الكتاب وهم «نجيب محفوظ وعلى الزرقانى وعبد الرحمن الشرقاوى» لكتابة السيناريو والحوار، وأقامت ديكورات لحى القصبة الجزائرى التى كانت تعيش فيه البطلة جميلة على ثلاثة أفدنة من استوديو مصر، والاستعانة بمعلومات من لجنة تحرير الجزائر لتتطابق الديكورات مع مرتفعات ومنخفضات وطرق وسلالم ومنازل الحى ، واستعانت بالمخرج العالمى يوسف شاهين ، ليخرج الفيلم بصورة رائعة.
قصت الفنانة ماجدة شعرها ورفضت الاستعانة بباروكة خلال تمثيل الفيلم ، واقترضت من البنوك ليخرج الفيلم بأحسن صورة، وجابت به دول العالم لتعريفه بالقضية الجزائرية وبطولة الفدائيات الجزائريات ومأساة جميلة التى كانت تنتظر تنفيذ حكم الإعدام.
حقق الفيلم نجاحا كبيرا، وأثار غضب فرنسا، وأكدت ماجدة أنها تعرضت لمحاولات اغتيال فى بيروت من بعض المتعصبين الفرنسيين بسبب الفيلم، الذى قال عنه الفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر: "بسبب هذا الفيلم جُسد أمامى حجم الجرم الذى ارتكبناه فى حق الإنسانية، إن هذه الممثلة الصغيرة الكبيرة أسقطت منى الدموع وأنستنى جنسيتى".
وأدت اللجنة العليا للجزائر وأحمد بن بلة الذى أصبح بعدها رئيسا للجزائر التحية العسكرية عندما شاهدوا الفيلم ، الذى قامت المظاهرات فى كل السينمات التى عرض بها فى العالم تضامنا مع الجزائر وللمطالبة بحرية جميلة ، واحتجت فرنسا لدى الدول التى عرض بها الفيلم الذى تسبب فى ضجة عالمية كبرى وضغط على الرأى العام العالمي ، خاصة عندما تم عرضه فى روسيا ، فتراجعت فرنسا عن إعدام جميلة وكتب الشعراء عنها ما يقرب من 70 قصيدة أبرزها ما كتبه الشاعر نزار قبانى بعد مشاهدته للفيلم.
وتلقت الفنانة ماجدة دعوة لزيارة الجزائر بعد تحريرها وهناك تم استقبالها استقبالا مهيبا ، والتقت بالفدائيات الجزائريات، وأقامت كل الوزارت احتفالات عرفانا بدور ماجدة ، وما قدمته بفيلمها للثورة الجزائرية ، وتم منحها درع المجاهدين الجزائريين ، كما استقبلت الفنانة المصرية طلبات كثيرة من الفدائيات الجزائريات لصناعة أفلام تخلد نضالهن، ولكنها اعتذرت؛ مؤكدة أنها قدمت جميلة نموذجًا لكل امرأة جزائرية دافعت وناضلت من أجل الحرية.
وبعد كل هذه السنوات يأتى مهرجان أسوان الدولى لسينما المرأة ليحمل اسم المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد ، دون أن يوجه دعوة أو يمنح تكريما للفنانة ماجدة ، التى أكدت استياءها لعدم دعوتها للمهرجان، الذى دعيت إليه المناضلة الجزائرية جميلة والتى كان حضورها واستقبالها والاحتفاء بها الإنجاز والعلامة الوحيد تقريبا لهذا المهرجان.
ظننت وغيرى أن إدارة المهرجان والقائمين عليه سوف يتداركون هذا الخطأ والتقصير قبل نهاية الفعاليات ، وتواصلت مع حسن أبو العلا مدير المهرجان لمعرفة السبب فى عدم دعوة الفنانة ماجدة للحضور، فكانت إجابته : أنه ليس من المنطقى أن يتم دعوة الفنانة ماجدة دون تكريمها !!
وأثارت الإجابة تساؤلات أكبر حول لماذا لم يتم تكريمها إذن ، لتأتى الإجابة التالية بأن المناضلة جميلة بوحيرد رفضت أن يتم تكريمها كأحد المناضلات الجزائريات خلال المهرجان، مؤكدة أن هناك من المناضلين من يستحق التكريم أكثر منها، وبالتالى رأت إدارة المهرجان -على لسان مديره- أنه من غير المنطقى أن يتم تكريم الفنانة ماجدة دون أن يتم تكريم المناضلة جميلة بوحيرد.
وأضاف أبو العلا أنه من غير المنطقى أيضا تكريم الفنانة ماجدة وحصر واختزال تاريخها كممثلة ومنتجة فى فيلم واحد هو فيلم "جميلة" ، مؤكدا أنها قدمت للسينما أفلاما أقوى وأهم ، وأنه يمكن تكريمها فى دورات تالية.
وفى عبارة صادمة قال مدير مهرجان أسوان فى حديثه لليوم السابع :" هل من المنطقى إذا أردنا تكريم اسم الزعيم جمال عبد الناصر أن نكرم كل من قام بدور عبد الناصر فى السينما.
وهذه العبارة تؤكد أن مدير المهرجان نسى أنه مهرجان سينمائى يتحدث عن دور سينما المرأة فى تغيير الواقع ، ولن يجد مثالا يمكن استغلاله لتأكيد دور السينما فى حياة الشعوب أفضل من فيلم جميلة ، التى عرفت شعوب العالم من خلاله قصة المناضلة الجزائرية وبطولات الشعب الجزائرى، وحتى لو كانت الحالة الصحية للفنانة ماجدة لا تسمح بحضور المهرجان كان يجب أن يتم الاحتفاء بها وبفيلمها وتكريمها ، وهو أقل ما يجب أن يتم للعرفان بدورها.
كل الأسف للبطلة الرائعة ماجدة الصباحى عن هذا التقصير ، فوجودك بيننا تكريم لنا.