الفن والأدب والصحافة مجالات ترتبط ببعضهما ارتباطا وثيقا، فهم يخرجون من الإبداع ذاته، وقليلون هم من يملكون حسا فنيا يجعلهم قادرون على تطويعه في كافة الأشكال، ولأن مصر تزخر دوما بمبدعيها، في هذه المجالات، هناك القليلون منهم من استطاعوا جمع مجال الفنون والآداب والصحافة في الوقت ذاته وقادوا ببراعة عهدا جديدا كانوا أبطاله.
يعقوب صنوع:
طفل مشاغب مشاكس عنيد جرئ لماح يدرس الفن والآداب يسافر ويؤلف الشعر والقصص والنثر ويكتب في كافة المجالات، يدرس ويتحدث 12 لغة، درس الديانات الثلاث السماوية، هكذا كان يعقوب صنوع مؤسس الصحافة الساخرة في مصر، الذي قيل عنه أنه من أدخل المسرح إلى مصر في القرن التاسع عشر.
وهو أيضا صحفي مشاغب إذا أغلقت له صحيفة فتح أخرى وإذا تمت مصادره عدد لمجلته وزعه بطريقة سرية في علب الجبنة واللبن ومع المنشورات السياسية.
ليعقوب فضل كبير على تغير الخريطة الفنية في مصر إذ فكر في عام 1869 في تأسيس مسرح مصري تعرض على خشبته مسرحيات عربية متأثرا بما رآه في إيطاليا وكان أول مرة يسمح بظهور النساء في المسرحيات كانت بمسرحياته، وسمح له التنقل بين جميع فئات المجتمع من حرفيها وعمالها وجاليتها الأجنبية والطبقة الارستقراطية، من أجل التعرف على كافة أفراد الشعب المصري آنذاك واستفاد من ذلك في رسم شخصياته المسرحية الكوميدية.
ألف صنوع مسرحيات قصيرة ممزوجة بأشعار وقام بتلحينها وعرضها في قصر الخديوى إسماعيل وأمام حاشيته من الباشوات فأعجبوا بها، قرر يعقوب أن ينشئ فرقة مسرحية من تلاميذه وكان هو يلعب دور المدير والمؤلف والملحن والملقن، وعرض مسرحيته على منصة مقهى موسيقي كبير بحديقة الأزبكية بالقاهرة وكانت توجد في ذلك الوقت فرق تمثيل إيطالية وفرنسية تعرض أعمالها للجاليات الأوروبية في القاهرة، ونجحت مسرحيته نجاحا كبيرا.
أنشأ بعدها يعقوب فرقته الخاصة وكانت مسرحيات كوميدية أعجب بهم الخديوي إسماعيل وسمح له بإنشاء مسرح قومى لعرض مسرحياته على عامة الشعب، وعرض على هذا المسرح أكثر من 200 عرض لـ 32 مسرحية ألفها، إلى أن قدم مسرحية (الوطن والحرية) فغضب عليه الخديوي لأنه سخر فيها من فساد القصر ثم أغلق مسرحه ونفاه إلى فرنسا فاستقر في باريس إلى آخر حياته.
وليعقوب الصحفي المشاكس باع طويل في نقل الصحافة في مصر نقلة نوعية إذ أنشأ عددا من الصحف منها "أبو نضارة" التي اضطر إلى إعادة إصدارها باسم "أبو نظارة زرقاء"، ثم صحيفة "الوطن المصري، وأبو صفارة" التي اضطر أيضا إلى تغيير اسمها إلى "أبو زمارة"، وصحيفة "الثرثارة المصرية" وبحسب صحيفة "روزاليوسف" فإن صحف يعقوب جميعها كانت تنقل الواقع المصري وتسخر من الخديوي وطريقة حكمه وكانت إذا صودر أحد أعداد مجلته كان الناس يتناقلونها سرا فيما بينهم وفيما كان يظن الأمن وقتها أن العدد ثم مصادرته كانت يكون قد وصل إلى أكبر عدد ممكن من القراء في نجوع مصر بطرق سرية ومخفية وكان كل قارئ يفرغ من الصحيفة يهديها لآخر.
وبسبب معارضته للسياسة المصرية في ذلك الوقت غضب عليه الخديوى فأغلق مسرحه وأبعده إلى باريس، والتقى يعقوب أديب إسحاق في باريس وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وإبراهيم المويلحي وخليل غانم ثم مصطفى كامل وغيرهم، ثم واصل دعايته للقضية الوطنية بعد الاحتلال البريطاني لمصر، فأصدر العديد من الصحف بالعربية والفرنسية وأخذ يتنقل في أوروبا للدفاع عن مصر واشترك في الحملات التي شنت على الخديوي إسماعيل والاحتلال البريطاني، وراسل احمد عرابي في منفاه في جزيرة سيلان.
واتفق صنوع والأفغاني وغانم على إنشاء جريدة عربية هزلية لانتقاد أعمال الخديوي إسماعيل ثم استقر رأيهم على أن يتولى صنوع إدارتها، وصدر العدد الأول في 21 ربيع أول سنة 1295 هـ (سنة 1877) وتعد بذلك أولى الصحف الهزلية عند الناطقين بالعربية.
كان أول من استعمل القلم الدارج واللهجة العامية المصرية أو التركية والصورة الهزلية السياسية بين المصريين، واستمرت الجريدة في صدورها بطريقة لم يعهدها المصريون من قبل ولاقت إقبالا منقطع النظير ونزل صنوع إلى ميدان السياسة جاهرا بعد عدة أعداد من هذه الجريدة التي لم يصدر منها إلا خمسة عشر عددا، واستطاع الخديوي أن يخمد أنفاسها عندما شعر أن نقد صنوع للحياة السياسية قد بلغ مرحلة الخطورة. وقد غادر صنوع القاهرة في 22 من يونيه سنة 1878 متجها إلى باريس.
كما ألف وترجم الكثير من الكتب التاريخية والأدبية بلغات مختلفة كاللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، كما ترجم جزء من القرآن إلى الإنجليزية، ولم تواته الظروف لتكملته لمرضه في سنة 1910، وكذلك كتابة مجموعة أشعار باللغة الإيطالية، إلى جانب كتابته رسالة عن الدستور العثماني بالشعر والنثر المقفى. واحتفل في عام 1905 باليوبيل الخمسينى لدخوله في سلك الصحافة والأدب فكان أول صحفى عربى نال التكريم من الملوك والرؤساء قبل وفاته. بقي يعقوب صنوع منفيا في أوروبا إلى أن توفي في 1912 في فرنسا.
فاطمة اليوسف:
أطلقت الفنانة المسرحية المشاغبة في أكتوبر من عام 1925 مجلتها "روزاليوسف" وصدر أول أعدادها وأعلنتها وقتها مجلة فنية تهتم بكل الفنون وبالأخص فن المسرح، الذي اعتبرته فاطمة اليوسف بيتها كما اعتبرت الصحافة بحسب افتتاحيتها الوسيلة التي ستمكنها من نشر الفن بين الناس.
وبينما كانت اليوسف صاحبة قلم حر وقتها ولم ترضخ للضغوط التي حاولت الحكومات المتعاقبة عليها فرضها، أغلقت صحيفتها عدة مرات كحال "صنوع" الأمر الذي جعلها تصدر مجلتها بأسماء مختلفة وبافتتاحيات تتحدى بها الإدارة السياسية وقتها والأمن، جرأة اليوسف جعلت وزير الداخلية محمد محمود المعروف بجبروته أن يكتب ذات مرة في خطاب رسمي سري "فشلت كل محاولاتنا لإرضاخ روزاليوسف لسلطتنا".
الفنانة المسرحية فاطمة اليوسف ورفيقها المشاغب محمد التابعي أصدرا روز اليوسف بعدة أسماء أبرزها "الصرخة" التي استمر اسمها لبعض الوقت قبل أن تعود وتندمج مرة أخرى بعد التوقف إلى "روزاليوسف".
فاطمة اليوسف استهلت الافتتاحية (باسم الفن والعمل الصالح مجهود آخر.. تحققت الأمنية أخيرا ها هى صحيفتى تسعى إلى أبناء مصر الأعزاء أبناء مصر الناهضة المجيدة العزيزة لدى ولدى كل من تذوق قطرة من نيلها).
سعيد عبد الغني:
من الصحفيين الذي اختطفهم سحر المسرح من الكتابة، حيث عمل بالمحاماة فترة بسيطة إلا أنه لم يجد نفسه في تلك المهنة ثم اتجه إلي العمل الصحفي الذي تميز فيه وانفرد بتحقيقات صحفية مميزة فقد انضم منذ التحاقه لجريدة الأهرام إلى قسم الفن وساعده كثيرا في توطيد علاقاته بالفنانين والقائمين عن صناعة السينما، ونهض بفريق التمثيل في الأهرام، ما جعل هذا الفريق يشارك في مسابقات فنية عديدة وفي إحدى هذه المسابقات قابل عبد الغني المخرجة علوية زكي التي نصحته بضرورة عودته مرة أخري للتمثيل.
يعقوب_صنوع_كاريكاتير