يظل (السيناريو) هو البطل الحقيقي في الأعمال الفنية بأشكالها المختلفة، حتى وإن حوى العمل أعظم ممثلي الأرض، لأنه دون سيناريو قوي، وقصة بديعة، وحبكة درامية واضحة، لن ترى على الشاشة موهبة حقيقية، ويمكن من خلالهم –الممثلون- أن ترى أي شئ، سوى الإبداع الحقيقي المبني على الموهبة.
ونحن نستقبل عشرات الأعمال الدرامية كل عام، سواء التي يتم عرضها في الموسم الرمضاني، أو تلك التي خَلقت لنفسها موسما جديدا، طالب به صناع الدراما لسنوات طويلة، ليكون متنفسا آخرا للأعمال التي يتم إنتاجها غير شهر رمضان المبارك، والذي تتصارع فيه الأعمال على «تورتة» الإعلانات، نقف كثيرا أمام الأعمال المقدمة، ونحاول أن نختار من بينها عملا أو اثنين على أقصى تقدير لنتابعه، وكأن أغلب المطروح لا يستحق المتابعة.
صناعةُ الأعمال الدرامية أو السينمائية لمجرد الربح، أمرٌ مشروع، ولكن غير كافٍ للمساهمة في عودة مصر إلى مكانتها الطبيعية، والتي احتلتها لعشرات السنوات من القرن الماضي، خاصة أنها قدمت أعمالا لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة.
بالفلسفة، والرؤية، والمنطق، يجسد المبدع حكايته، ويرسم بقلمٍ رصاص أبطال روايته، ويرى أحلاهم في نومهم ويقظتهم، ويعيش معهم مراحلهم العمرية المختلفة «من الطفولة حتى الشيخوخة»، وينتظر بفارغ الصبر، حتى يرى أبطال روايته وهم يتحركون أمام الكاميرا، ليجسدون -ليس فقط روايته- ولكن حكاية تبقى في ذاكرة الأمة.
هل تتذكر الفنان صلاح السعدني؟ أراهنك أنك تذكرت الآن دوره في مسلسل أرابيسك، ليس لشئ، سوى لأن المبدع أسامة أنور عكاشة، قدم له حكاية بديعة، نسج «عكاشة» خيوطها بإبداع، وعلى الرغم من مرور ما يقرب من ربع قرن، إلا أن الحكاية باقية، وأرابيسك باق في ذاكرة الأجيال.
«عكاشة»، وتطرقنا إليه في هذه القضية، لا يقلل أبدا من مبدعينا العظام الذين قدموا أعمالا خالدة في التاريخ الفني المصري، قدم بغض النظر عن أرابيسك، أعمالا حفرت لنفسها مكانا في وجدان الشعب المصري، « الحب وأشياء أخرى، وعصفور النار، ورحلة أبو العلا البشري 1985، وأبو العلا البشري 90 (1996)، وما زال النيل يجري، وضمير أبلة حكمت، والشهد والدموع، وليالي الحلمية بأجزائه الخمسة، وزيزينيا، وامرأة من زمن الحب، وأميرة في عابدين، وكناريا وشركاه، وغيرها من الأعمال».
المثال السابق، ليس إلا إشارة، إلى أهمية العودة مرة أخرى، إلى الاهتمام بالورق (السيناريو والحوار) لأنه وحده الذي يصنع الأبطال، ووحده الذي يصنع الفن، ووحده الذي يجسد حال المجتمع.
الموسم الرمضاني الحالي، يشهد منافسة شرسة، ليس فقط على جذب انتباه المشاهدين الجالسين أمام الشاشات، ولكن على المشاهدات من خلال موقع الفيديوهات الشهير «يوتيوب»، ولكن بنظرة أعمق، لا أعتقد أن الكثير منها- المسلسلات- سيعيش كما عاشت حكايات «عكاشة»، ولكن تطور الصناعة بشكل عام في الوقت الحالي، هو نقطة الضوء الباقية، والتي يمكن بسهولة أن تستوعب أي إبداع يلوح بعضًا منه في الأفق، ولن نتطرق في هذا المقال عن الأعمال الحالية، وسنترك لها الفرصة حتى نهاية الشهر الكريم.