بدأ العد التنازلي لشهر رمضان الكريم، شهر الروحانيات والتجليات والذكر والصيام والخشوع، وهو الشهر الذي يجعل بعض المهن في حالة طوارئ لتلبية احتياجات الناس، كما يأتي بمهن لا نراها إلا في هذا الشهر الفضيل لذلك نرتبط بها روحيا.
المسحراتي
المسحراتي
يحمل طبلته ويسير بين البيوت قبيل الفجر بساعة أو ساعتين على الأقل، يدق دقات بسيطة ويردد النداء مصحوب ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية، أبرزها "اصحى يا نايم وحد الدايم" و"السحور يا عباد الله". المسحراتي هي إحدى أشهر المهن التي لا تظهر إلا في شهر رمضان ليؤدي بدوره دورا هاما في إيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور.
وفقا لمؤرخين فإن أول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر، أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.
كان "المسحراتية" في مصر يطوفون في شوارع المدينة أو القرية يرددون الأناشيد الدينية وينادون الناس ليستيقظوا طالبين منهم أن يوحدوا الله، ويضربون على طار ضربات متوالية حتى يسمعهم النائمون فيهبوا من نومهم لتناول السحور.
وكان والي مصر إسحق بن عقبة أول من طاف على ديار مصر لإيقاظ أهلها للسحور، وفي عهد الدولة الفاطمية أصبحت الجنود هم من يتولون هذا الأمر وبعدها عينوا رجلا أصبح يعرف بالمسحراتي، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا "يا أهل الله قوموا اتسحروا".
الكنفاني
الكنافة هي الحلوى التي لا تنقطع طوال العام تجدها في محال الحلويات، إلا أن وجودها في شهر رمضان المعظم، له طعم خاص، حيث يفترش العديد من الباعة من بعض المحال الكبيرة قبل الصغيرة، يفترشون ناصية زاوية صغيرة أمام المحال، يقبع بها الكنفاني، ممسكا بإناء معدني يصب داخله مخلوط عجين الكنافة ويفرشها على فرن صغير دائري الشكل، صانعا بها دوائر عديدة متتالية، ثوان معدودة قبل أن يتحول لونها إلى الذهبي، ثم يجمعها من الفرن ويبدأ في صنع أخرى.
أقوال عدة ترددت حول الأصل التأريخي للكنافة، فبعضهم قال إن صنَّاع الحلويات في الشام صنعوها لتقديمها إلى معاوية بن أبي سفيان عندما كان واليًا على الشام، وذلك حتى يأكلها كطعام للسحور، فتمنع عنه الجوع الذي كان يشعر به أثناء الصيام، وقد ارتبط اسمها باسمه، حتى إنها سُميت "كنافة معاوية" لفترة طويلة، بينما تذهب آراء أخرى أن تاريخ الكنافة يعود إلى العصر الفاطمي، وقد عرفها المصريون قبل أهل بلاد الشام، وذلك عندما تصادف دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي القاهرة، وكان ذلك في شهر رمضان، فاستقبله الأهالي بعد الإفطار وهم يحملون الهدايا، ومن بينها الكنافة بالمكسّرات، كمظهر من مظاهر الكرم، ثم اكتسبت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون، ومن لا يأكلها في الأيام العادية، لابد أن يتناولها خلال رمضان في البيوت أو المطاعم.
القطائف
صانع القطائف
رغم أن القطائف لا تبتعد تاريخيا عن الكنافة إلا أنها أيضا أحد أبرز المعالم التي لا تظهر إلا في شهر رمضان، وكان أول من تناولها عبد الملك بن مروان فى العصر الأموى وكانوا يتفاءلون بها عندما يتم حشوها وتصبح على شكل هلال، أما فى العصر العباسى فكان (الإمام الليث بن سعد) يقدم الهريسة واشتهرت بهريسة الليث، ولقد تطورت صناعة الكنافة من الطريقة اليدوية إلى الطريقة الآلية.
وفى العصرين المملوكى والعثمانى كانت توزع أطباق الحلوى التى تضم الكنافة والقطايف فى الخوانق والربط وهى الأماكن التى يوقف فيها الواقفون أموالهم وأملاكهم لإطعام الفقراء واشترط الواقفون توزيع الحلوى على القاطنين كل ليلة جمعة من رمضان وهى نفس الأماكن التى نظمت فيها فيما بعد موائد الرحمن وكان قائد المماليك البحرية يوزع كل يوم فى رمضان 12 ألف رغيف ويشرف بنفسه على توزيع الصدقات واستحدث الملك الظاهر بيبرس سنة طيبة وهى توزيع عدد من أحمال الدقيق والسكر والمكسرات ولحم الضأن على الفقراء حتى يتمكنوا من تناول الطعام فى بيوتهم.
فوانيس رمضان
نعرف دخول شهر رمضان من انتشار الفوانيس بالشوارع والمحال وأمام المنازل، وهي العادة التي كانت ولا تزال تجمع الصغار والكبار حولها لصنع أشكال مختلفة وأحجام من الفوانيس، ولأن كل شئ في عادات رمضان هو متوارث من الأجداد، كذلك كانت عادة صنع فوانيس رمضان.
يرجع البعض استخدام الفانوس في إبان انتشار الإسلام في الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب، وهناك العديد من القصص عن أصل الفانوس. أحد هذه القصص تدهب إلى أن الخليفة الفاطمي كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق وكان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معاً بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان.
أول من عرف فانوس رمضان هم المصريين بيوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادما من الغرب في الخامس من رمضان عام 358 هجرية وخرج المصريون في موكب كبير اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلا وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة لإضاءة الطريق له وهكذا بقيت الفوانيس تضئ الشوارع حتى آخر شهر رمضان لتصبح عادة يلتزم بها كل سنة ويتحول الفانوس رمزا للفرحة وتقليدا محببا في شهر رمضان.
وتشتهر القاهرة الفاطمية – مصر القديمة- بصناعة الفوانيس وتبدأ التحضيرات قبيل رمضان بشهرين، على الأقل، كما لا تزال هناك عدد من الورش التي ورثت صناعة فوانيس رمضان منذ أكثر من 70 عاما بينها منطقة السيدة زينب وباب الخلق وباب اللوق.
كما تظهر العديد من المهن التي يختلف البعض عن أصلها وتاريخها إلا أنها مرتبطة بشهر رمضان وتأخذ صورا متطورة كل عام عما قبله، إلا أنها تظل راسخة منها صناعة زينة رمضان والتي لا تختفي في أي رمضان، بل ترتبط بعادات وتقاليد تجمع العائلة والأسرة والجيران لصنعها، إلا أن بعض المصانع باتت تجعلها مصنعة "جاهزة" فقط للتعليق.
كما يظهر بوضوح بائع الفول والزبادي وهما الأكلتان اللتان لا تختفيان طوال شهر رمضان، رغم كونهما موجودان طوال العام، إلا أن لظهورهما شهر رمضان مذاق خاص، لارتباطهما الوثيق بوجبة السحور، كذلك صنع المخللات والعصائر المرطبة مثل العرقسوس، التمر الهندي، والسوبيا، وغيرهم.