"لأقعدن على الطريق وأشتكي وأقول مظلوم وأنت ظلمتني، أنت الذي حلفتني وحلفتلي وحلفت أنك لا تخون فخنتني"، أضواء خافتة، تناسب سهرة مسائية لاثنين من العشاق، موزعة بشكل دراماتيكي على جوانب مختلفة من مسرح السلام، بشارع القصر العيني، تفتح الستار على ديكور اختير بعناية لتنطق كل أركانه بحالة عشق خاصة.
ثماني غُرف مقسمة منفصلة متصلة على المسرح، ثابتة الديكور لا يتغير سكان 4 غرف منها، الطابق الأول يمينا ويسارا يجلس راقصان من فرقة المولوية بجلبابهم الأبيض الناصع الفضفاض المريح وقبعتهم البنية اللون، على الجوانب والأركان اليمين واليسار وفي أحد الغرف العلوية يجلس رجل حكيم، نعرف فيما بعد من السياق الدرامي أنه "بابا زمان"، وفي الغرف السفلية من الديكور راقصين مولوية غير ثابتين وحجرة صغيرة ثابتة لمنشد المولوية وعازف دف وآخر على المزمار.
الديكور
الرومي يلتقي التبريزي
"إن الطريقة التى نرى فيها الله ما هى إلا انعكاس للطريقة التى نرى فيها أنفسنا وإن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس" عن الحب والعشق، تم تقسيم الغرف الديكور بيد ذكية لمصطفى حامد، ديكور بسيط وأنيق اختير بعناية فائقة لتناسب كل غرفة حالة للعشق الروحاني، زوايا وأركان المسرح يراها كل فرد بزاويته الخاصة، هناك من يراها أنها الحالات المختلفة للعشق، ركن يخص جلال الدين الرومي يتنقل فيه مع أحداث المسرحية للكاتبة إليف شفق، في تناغم مع شقيق روحه شمس التبريزي، التنقل الدراماتيكي يؤكد اختلاف علاقتهما سويا وانتقالها من التعارف وما يمثله من جلوسهما سويا على أرضية المسرح ثم صعودا إلى الغرف العلوية الركن الخاص والمغلق للرومي والذي يضع فيه كتب والده وإرثه الثقافي ويدخله عالمه العلوي الخاص.
ركن آخر يدخل ويخرج منه التبريزي الزاهد العابد والمتشرد الصعلوك الذي لا يستقر على حالة ولا مكان، يخرج ويدخل لحيوات الناس، يترك أثرا في كل غرفة يدخلها، أما الغرف الثابتة فهي لمن يملك حالات ثابتة كراقصي التنورة وعلاقة "بابا زمان" بالرومي والتي لم تكن لتشبه علاقة التبريزي بالرومي، ديكور المسرح ساعده الإضاءة التي وُزعت أيضا لتناسب مشاهد المسرحية، ألوانها المختلفة تتناسب جيدا وباتقان مع الحالة المقروءة من المسرحية، إن كانت حبا فهي خافتة وإن كانت بغضا وعبثا فهي حمراء أو زرقاء وخضراء لتناسب السمو الخاص أثناء غناء المطربة أميرة أبو زيد والمنشد سمير عزمى لأشعار مختلفة من كلمات ابن الرومي وان الفارض الملقب بسلطان العاشقين.
الملابس
مها عبدالرحمن، ربما كانت في حالة عشق هي الأخرى، أن تنتقي ملابس الفنانين كما ظهرت بالحالة التي ظهرت بها طوال العرض المسرحي، لم يتغير ملابس البطل شمس التبريزي الذي أداءه الفنان بهاء ثروت، ملابس رثة تناسب زاهد متعبد متصوف يطوف المدن والشوارع باحثا عن الحب باحثا عن الله باحثا عن توأم الروح، بحثا عن جلال الدين الرومي.
التبريزي وكيميا
"إن عرش الله سبحانه يقبع فى قلب العاشق الحقيقى لا فى كنيسة أو مسجد" بسمو كأنما روحه تركت المسرح وغادرتنا إلى عالم آخر، نطق بها الفنان بهاء ثروت، وكانت أروع حالاته أثناء رحلة الكمال والبحث عن الحب والتي قال فيها "إن الجنة والنار بداخل كل منا فإن أحببت شعرت كأن روحك وصلت إلى السماء وإن كرهت أو بغضت أو غضبت أحسست كأنك في النار.
ملابس الرومي لم تتغير طوال العرض نفس الجلباب الأبيض، لم يكن الرومي سوى ذلك العابد الذي لم يكن ليجرؤ على عصيان الله ولو متناسيا، إلا بعدما قابل التبريزي، كاشفا عن جوانب في شخصية جعلته في اختبارات حقيقية مع إيمانه وتعبده وتقربه من الله.
"إن السعى وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، وما إن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ فى التغير من الداخل والخارج"..في ختام المشاهد المسرحية، جاءت كيرا زوجة الرومي التي كانت تغار من حب الرومي للتبريزي والعكس ومن العلاقة التكاملية التي كانت تجعل كل منهم لا يرى الحب إلا في الآخر، جاءت ملابس كيرا وكيميا زوجة التبريزي التي لم تهنأ بالزواج أبدا، جاءت بيضاء تناسب جوهر الحب الذي وصلا إليه أخيرا.
التبريزي وكيرا
الدراماتورج والإخراج
عادل حسان وفريق كتابة بقيادة رشا عبدالمنعم، اختارا بعناية جمل عميقة المعنى لابن الرومي والتبريزي واقتطعاها من الرواية الأصلية "قواعد العشق الأربعون" للكاتبة التركية إليف شفق التي أصابت حسان بحالة وحدانية وتوحد مع النص، "لوثة" أصابت عقله، قرر من فوره تحويلها لنص مسرح، اختارت رشا الكتابة لتساعدها بذلك.
"من الأفضل لك أن تبحث عن شخص، شخص يكون بمثابة مرآة لك، لأنك لا تستطيع أن ترى نفسك حقا إلا فى قلب شخص آخر، وبوجود الله داخلك"، كانت من أروع المشاهد الدرامية في نص المسرح وهي "لُب" الرواية، علاقة طويلة وصراعات نفسية مر بها جلال الدين الرومي وشمس التبريزي وجميع أبطال العمل، في رحلتهم للبحث عن الحب وعن الله، علاقة العاشقين الرومي والتبريزي، كانت خير دليل أن توأم الروح ليس بالضرورة يكون رجل إن كنتِ امرأة أو امرأة إن كنت رجلا، توأم الروح هو ذلك الشخص الذي يخرجك من الظلمة إلى النور، ذلك الشخص الذي ينير ظلام قلبك ويكون مرآتك في تفاصيلك يغذي عقلك وروحك.
الرومي والتبريزي
يؤخذ على الإخراج والدراماتورج أن جرعة المتعة التي جعلت الجمهور في حالة توحد مع المسرح، هي فقط لمدة 90 دقيقة ليست كافية، لجمهور يتنشق للبحث عن الحب والسلام، كما أن أحد المشاهد الهامة التي يتحول فيها الرومي من العابد المعروف بتصوفه ونقاء سريرته أن يتواجد في حانة ليختبر حالة صوفية جديدة، ليس من المنطقي أن يمر هذا المشهد مرور الكرام بين الرومي والتبريزي كان من الأفضل أن يضع المخرج المشاهد في حالة التحول التدريجي والصراع النفسي للعابد الرومي حتى يقتنع بالذهاب للحانة والحصول على الخمر وهو مرتديا رداء من اللون الأحمر "دلالة العصيان".
مشهد الرومي في الحانة
لم يختلف الاختيار للموسيقى وكلمات الأغاني والأناشيد عن نفس روعة ودقة العمل، الذي رسم لوحة تكاملية التفاصيل، كان اختيارها مناسبا من كلمات الرومي مع كل حالة يمر بها في المسرحية.
العرض المسرحى "قواعد العشق الأربعون" تقدمه فرقة المسرح الحديث، بدءا من 25 مارس ومن بطولة بهاء ثروت وعزت زين وتامر الكاشف ومحمد عبد الرشيد وهدى عبد العزيز وهانى عبد الحى وياسر أبو العنين ودينا أحمد وبمشاركة فرقة المولوية العربية وديكور مصطفى حامد وأزياء مها عبد الرحمن وإضاءة إبراهيم الفرن، وشارك فى الكتابة ياسمين إمام وخيرى الفخرانى وإخراج عادل حسان.