بمجرد أن تسمعه تشعر أنه لو كان للتاريخ صوت لن يكون سوى هذا الصوت الرخيم المميز الذى لا تخطئه الأذن، اسم يحمل جزءا من ملامح وحكايات التاريخ وبطولاته يجمع بينها وبين الرومانسية والحكمة، الوطنية والفروسية وحتى الكوميديا فى كيان واحد اسمه محمود ياسين.
تستطيع أن تميز صوته دون أن تراه، علامة فى تاريخ الفن والتمثيل والإلقاء، عملاق من عمالقة السينما والمسرح والتليفزيون، بمجرد ذكر اسمه تستدعى مئات الأعمال الفنية والمناسبات الوطنية وربما تردد بعض الأوبريتات التى شارك فيها بالإلقاء خلال مناسبات دينية ووطنية وحفظها الكثيرون، حيث يشكل صوته جزءًا من وجدان الملايين.
حين تذكر اسمه تستدعى صورة الجندى المحارب فى فيلم الرصاصة لا تزال فى جيبى، أو فيلم بدور، والفتى الرومانسى فى فيلم نحن لا نزرع الشوك، والرجل الناضج فى «أنا وابنتى والحب» أو«أفواه وأرانب» والشيخ الحكيم فى مسلسل العصيان، أو فيلم الحب فى طابا، والمدرس خفيف الظل فى مسلسل «غدا تتفتح الزهور» والشخصيات العديدة التى جسدها فى مسلسل «اللقاء الثانى»، ولا تنسى إبداعه فى الأعمال الدينية والتاريخية ومنها « أبو حنيفة النعمان، و«جمال الدين الأفغانى»، و«فارس السيف والقلم أبوفراس الحمدانى»، ولا تقتصر إبداعات محمود ياسين على الأعمال الجادة، ولكنه أبدع أيضا فى عدد من الأدوار الكوميدية، ومنها مسلسل ماما فى القسم، وفيلم جدو حبيبى، فضلا عن عشرات الأعمال الإذاعية.
كان لنشأة الفنان العملاق محمود ياسين، دور كبير فى تكوينه حيث ولد بمدينة بورسعيد عام 1941 لأب يعمل فى هيئة قناة السويس ويعشق ثورة يوليو، فغرس فى أبنائه حب الوطن.
ورغم ميوله الفنية التحق محمود ياسين بكلية الحقوق وطوال سنوات دراسته كان حلم التمثيل لا يفارقه، وبعد تخرجه تقدم لمسابقة بالمسرح القومى وحصل على المركز الأول فى ثلاث تصفيات متتالية، ولكن لم يتم تعيينه، فى الوقت الذى صدر قرار بتعيينه فى بورسعيد بشهادة الحقوق، ولكن بعد حرب 67 تم تعيينه.
بالمسرح القومى وقام ببطولة مسرحية «الحلم»، وتوالت بعدها بطولاته المسرحية حيث قدم أكثر من 20 مسرحية منها: «وطنى عكا، عودة الغائب، سليمان الحلبى، الخديوى، الزير سالم، ليلى والمجنون».
وكانت الانطلاقة الكبرى لمحمود ياسين فى السينما التى منحته لقب «فتى الشاشة الأول» وبدأ مشواره فيها بأدوار صغيرة فى بعض الأفلام، ومنها:» الرجل الذى فقد ظله، شىء من الخوف»، وبعدها بدأ رحلة البطولات السينمائية بفيلم «نحن لا نزرع الشوك» مع شادية، وخلال فترة السبعينات كان محمود ياسين من أهم نجوم الأفلام الرومانسية، ومنها «الخيط الرفيع، حكاية بنت اسمها مرمر، حب وكبرياء، الرصاصة لا تزال فى جيبى»، وتوالت أعماله السينمائية حتى وصل رصيده إلى أكثر من 150 فيلما خلال مراحل حياته المختلفة، وحتى أصبح الفتى الأول يقوم بأدوار الجد والشيخ الكبير وكان آخرها «جدو حبيبى، الوعد، الجزيرة».
ومع بداية التسعينيات تألق محمود ياسين فى العديد من المسلسلات والأعمال التليفزيونية، فقدم أعمالا متنوعة ما بين المسلسلات الدينية والاجتماعية والتاريخية ومنها: «جمال الدين الأفغانى، غدًا تتفتح الزهور، الزير سالم، الأفيال، كوم الدكة، اللقاء الثانى، سوق العصر، العصيان، أبو حنيفة النعمان»، وجسد خلالها الشر والخير والحكمة والكوميديا، فإمكانياته تؤهله للقيام بأى دور».
ولم يتوقف عطاء الفنان الكبير مع تقدمه فى العمر ولم يقف إبداعه عند أدوار الفتى الأول، واستمرت مسيرة عطائه فى كل مراحل عمره، وترك بصمته فى كل أعماله حتى وإن شارك فى لقطات قليلة من العمل فنى، وهو ما حدث فى دوره المميز فى فيلم الجزيرة مع أحمد السقا، وفيلم الوعد.
وفى عام 2014 انسحب محمود ياسين من المشاركة فى مسلسل «صاحب السعادة» مع الزعيم عادل إمام، وبعدها لم يظهر إلا فى جنازة زميله الفنان الراحل نور الشريف عام 2015، حيث بدت عليه علامات التعب والوهن وبعض أمراض الشيخوخة، وسرت شائعات نفتها ابنته الممثلة «رانيا محمود ياسين» عن معاناته من مرض الزهايمر.
وأعلنت الفنانة شهيرة أن زوجها الفنان محمود ياسين لم يعد قادرا على العمل بسبب المرض وطلبت الدعاء له بالشفاء، مشيرة إلى أنه عرض عليه العمل فى مسلسل «الجماعة 2»، ولكن حالته الصحية لم تعد تحتمل، وأنه لن يعود للتمثيل ويكتفى بتاريخه الفنى الطويل، مؤكدة أنه لا يخرج من المنزل إلا نادرا بسبب مرض القلب، وكان الفنان محمود ياسين أجرى جراحة قلب مفتوح منذ 17 عاما.
ورغم ابتعاد الفنان الكبير محمود ياسين عن الأضواء إلا أنه لا يزال حاضرا بقوة بأعماله ورصيده الضخم الذى شكل وجدان الملايين، وسيبقى عملاقا من عمالقة التمثيل وعظمائه الذين نقشوا أسمائهم بحروف من نور فى تاريخ الفن.