نظرة عينين لا يمكن لأحد أن ينساها وأداء عبقرى جعله يستطيع تجسيد أقسى درجات الشر حتى حاز لقب شرير الشاشة، وبنفس القدرة والإتقان يمكنه تجسيد أصدق درجات الطيبة والقهر.
"يمثل أدواره بتلقائية كبيرة حتى إننى أخاف من نظراته أمام الكاميرا"..هكذا قال المخرج العالمى يوسف شاهين عن الفنان العملاق محمود المليجى الذى تحل ذكرى وفاته اليوم، حيث ولد فى 22 ديسمبر عام 1910 فى حى المغربلين بالقاهرة، وتوفى فى 6 يونيو 1983، عن عمر يناهز 72 عامًا.
محمود المليجى الفنان الذى عرف بين زملائه بالطيبة والخجل وكان يتحول أمام الكاميرا إلى وحش وغول تمثيل، ويتقمص الشخصية حتى لا تصدق أنه هو ذاك الرجل الطيب الخجول، استطاع أن يتقمص كل أدواره ويعيش فيها ويقدمها بصدق حتى أنه تقمص مشهد الموت فى أخر أفلامه، فمات بالفعل، لينطبق على هذا الفنان الكبير العاشق للفن حرفيا مقولة " بيموت فى التمثيل"، وكانت قصة وفاته أغرب من الخيال.
هو متولى المرابى فى فيلم أمير الانتقام، وعرفان الفرارجى فى رصيف نمرة خمسة، وبنفس القدرة والإبداع إستطاع أن يجسد الطيبة والصدق والقهر فى عيون الفلاح محمد أبو سويلم فى فيلم الأرض، ليصبح محمود المليجى ملك الشر والطيبة على الشاشة فى آن واحد، حيث تميز بقدرته الفائقة على التعبير واستغلال ملامح وجهه ونظرات العينين.
عطاء فنى امتد لأكثر من نصف قرن استطاع المليجى خلاله أن يشق طريقه بين عمالقة جيله ويجد لنفسه مكانا متفردا بينهم، وأن يقدم من 750 عملا فنيا.
بدأت مواهبه فى مدرسة الخديوية التى انطلق منها للعمل مع فاطمة رشدى براتب 4 جنيهات شهريا، ثم تألق فى أدواره المسرحية والسينمائية وانتقل من فرقة فاطمة رشدى إلى فرقة إسماعيل ياسين، وكـان عضوا بـارزا فى الـرابطة القـومية للتمثـيل، ثـم عضواً بالفرقة القومية للتمثيل، وتنوعت أدواره التى لم يحصل فى الكثير منها على دور البطل الأول لكنها كانت علامات فنية لا يمكن لغيره أن يؤديها بنفس العبقرية، حتى أطلق عليه لقب "أنتونى كوين العرب".
ولأنه فنان فوق العادة كانت قصة وفاة العملاق أغرب من الخيال، حيث توفى أثناء تصوير فيلم "أيوب"، بطولة النجم العالمى عمر الشريف وهو يمثل مشهد الموت.
وتحدث المخرج هانى لاشين مخرج الفيلم فى تصريحات إعلامية عن كواليس وفاة المليجى، قائلا: "قعدنا على ترابيزة بنستعد بالمكياج وجلس الفنانان الكبيران المليجى وعمر الشريف يشربان القهوة، وكان المفترض طبقا للسيناريو أن يوجه المليجى حديثه لعمر الشريف ويقول: الحياة دى غريبة جدًا، الواحد ينام ويصحى وينام ويصحى وينام ويشخر، وقام بخفض رأسه كأنه نائم على الكرسى، وأصدر صوت شخير كأنه مستغرق فى النوم".
وأشار لاشين إلى أن جميع الموجودين نظروا إلى المليجى بدهشة وإعجاب من روعة تمثيله، وقال له عمر الشريف، "إيه يا محمود خلاص بقى اصحى"، وكانت المفاجأة أن المليجى لفظ بالفعل أنفاسه الأخيرة، فمات وهو يؤدى مشهد الموت.