ليس لتحقيق الأحلام وقت، فأن يأتى متأخرا خيرا من ألا يأتى أبدا، هكذا بعد عشرين عاما من التخرج التقى مجموعة أصدقاء جامعة عين شمس المسرحية، لكل منهم مهنته التى التحق بها بعد التخرج، وحياة مختلفة عاشها بكل تفاصيلها الجامدة بعيدا عن الإبداع والابتكار، حياه مختلفة عاشوها بعيدا عن القاعة التى كانت دوما تجمعهم وقت بروفات المسرحيات الطلابية، تلك القاعة التى ينفضون على بابها كل هموم الدراسة والمواد العلمية، ويهيمون تقمصا فى أدوارهم ما بين روايات شكسبير، وحواديت يوسف إدريس ونجيب محفوظ وليلى والمجنون لصلاح عبد الصبور، ليقرروا أن يجمعهم الحلم مرة أخرى بعد أكثر من 20 عاما، فآخر عرض جمعهم على خشبة مسرح واحدة كان عام 1999 فى مسابقة مهرجان جامعة عين شمس.
اليوم التقوا فى مسرحية جديدة كتبوها وأخرجوها ومثّلوها وصمموا ديكوراتها، بروح من التحدى والخبرة والرغبة فى النجاح، ليس فى عرض مسرحى، ولكنه نجاح من نوع خاص، كان نجاحهم فى العودة للحياة وممارسة عشقهم الأوحد وهو المسرح.
مسرحية "الخان" هى نتاج تجربة أصحابها، فجسدت فكره الجرى وراء السراب والوهم، وغض الطرف عن الحقيقة الوحيدة فى الكون، وهى أن الإنسان هو محور الكون، ولا يمكن له أن ينافس الآلهة فى مهامهم وقدرتهم على مسك زمام الحياة، وأن قضية التخيير أو التسيير، هى حقا قضية محسومة منذ قديم الأزل، وأن "اللقية" الحقيقية أو الكنز الحقيقى هو الروح النقية التى ترى ما لا يراه الناظرون.
قدم أبطال فريق كيميا الخميس الماضى عرضهم المسرحى "الخان"، على خشبة مسرح قاعة الحكمة بساقية الصاوى، وتدور أحداثها حول سبعة من الأحفاد اجتمعوا فى الخان العتيق بعد رحلة شاقة لاستلام تركة جدهم "ابن غانم"، فيشتد بينهم صراع من نوع غريب نتيجة الإرث الملعون والسر الرهيب تحت جدران الخان، ليكتشفوا فى النهاية حقيقة السراب.
الأحفاد هم أنفسهم زملاء الجامعة، التى حاول كل منهم أن يتقمص الدور الذى يشابه شخصيته الحقيقية، فأبدعوا.
مسرحية "الخان" بطولة هالة محمد وكريك أدريانو ومحمود تيكر وحازم الزغبى ومحمد صلاح ومحمد كمال وعلى الصباحى ودينا عبد العزيز، وديكور رومانى جرجس، إضاءة باسل ممدوح، تأليف محمد على وإخراج حسام التونى، الأعضاء المؤسسين لفرقة "كيميا" المسرحية.
هالة محمد ابنة مصر الجديدة والعباسية التى تزوجت من صحفى وعاشت الحياة الأرستقراطية لتربى بناتها الاثنين ما بين مدينة العاشر من رمضان وميدان سفير بمصر الجديدة، كانت تعمل فى مجال شركات الأدوية، لكنها بين الحين والآخر كانت تحن للمسرح، فشاركت فى الإخراج وتدريب أطفال ناديها على التمثيل، الذى لم يكن مهنتها لكنه كان هوايتها الأولى، حتى مرت سنين العمر، وجنت ثمار تربيتها لفتاتين؛ الأولى بمعهد سينما ومساعد مخرج، والثانية فنون مسرحية، وكأنها قررت أن تزرع الحلم فى جوف بناتها، لكن مع عودة أصدقائها عاد الحلم لرحمها مرة أخرى، لتتألق فى دور السيدة العجوز الأرستقراطية التى تدير كل الأحداث بدهاء لتكون هى مفاجأة العرض المسرحى.
أما حازم الزغبى الذى تخرج فى كلية الصيدلة جامعة عين شمس عام 2010، وعمل بقطاع الأبحاث الدوائية لدى إحدى الشركات العملاقة، وجاب معها الكثير من الدول العربية والأوروبية، اختار دورا لأحد الأحفاد وتقمص روح الماضى، والحنين لراحة الروح، لينطلق على المسرح وكأنه يعانق معه حياة الشباب التى مضت، ليتجدد معه الحلم، ومعه محمد صلاح خريج كلية العلوم ويعمل بإحدى الوظائف القيادية فى الدولة، شارك فى العرض، ومعهم محمد كمال الذى يعمل مدرس رياضيات، وقاد الفريق مثلما كان يفعل فى مدرجات جامعة عين شمس حسام التونى صاحب إحدى شركات معالجة المياه، ليخرج المعرض مستعينا بما درسه فى معهد الإخراج السينمائى منذ أعوام.
ومع العرض المسرحى على مسرح ساقية الصاوى، لليلة واحدة، بذل الجميع فيها، أقصى ما عندهم من طاقة إبداعية، وروح ابتكارية فى الحوار والعرض والتمثيل والديكور، تجدد عشق أبو الفنون فى قلوب شباب الجامعة بعد 20 عاما، ليغامروا به ويطالعون الجميع متحدين العمر والمناخ الثقافى، ويقررون أن يعرضوا عرضهم "الخان" على المسرح القومى، ومسرح الهوسابير خلال أيام من اليوم.