نبوءة قديمة عاشت وماتت فى ظلها أميرة الطرب الحسناء أسمهان سمعتها من سيدة تقرأ الطالع، نظرت العرافة فى خطوط يدها الرقيقة، وظهرت ملامح القلق على وجهها وقالت إن الأميرة الجميلة ستلقى مصرعها فى شبابها ضحية حادث قريب من الماء، وسيكون لها ثلاثة أولاد لن تعيش منهم سوى ابنة واحدة.
كانت الأميرة إيميلى الأطرش التى عُرفت باسم آمال الأطرش ثم أصبحت بعد دخولها عالم الطرب والفن أسمهان توقن بأن هذه النبوءة سوف تتحقق، خاصة أنها بالفعل فقدت اثنين من أبنائها، ولم تبق سوى ابنتها الوحيدة كاميليا.
ورغم حياتها القصيرة التى انتهت قبل أن تكمل عامها الثانى والثلاثين إذا صدقت بعض المصادر التى تشير إلى أنها ولدت فى 25 نوفمبر من عام 1912، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أنها ولدت فى عام 1917 لتكون بوفاتها فى عام 1944 لم تكمل بعد سن 27 عاما، ورغم هذه الحياة القصيرة إلى أنها كانت مليئة بالأحداث والصدمات والدموع.
فأسمهان التى تحدثت الكثير من المصادر عن علاقتها بالمخابرات البريطانية والحلفاء فترة الاحتلال الفرنسى لبلاد الشام، فى إطار محاولات الأمراء لنيل الاستقلال بعد هزيمة قوات المحور، وكذلك عن علاقتها بالقصر الملكى فى عهد فاروق، وخاصة مع أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى، حاولت الانتحار أكثر من مرة، كما كانت هدفا لمحاولات قتل أكثر من مرة ولأسباب متعددة.
حاولت الأميرة الجميلة الانتحار بتناول كمية كبيرة من الأقراص المنومة مرة فى جبل الدروز خلال فترة زواجها من ابن عمها ووالد ابنتها الوحيدة كاميليا الأمير حسن الأطرش بعد مشكلات معه وإحساسها بالملل والرتابة، كما حاولت الانتحار مرة ثانية فى فندق مينا هاوس؛ بسبب الديون المتراكمة عليها فى الفندق وأنقذتها صديقتها مارى قلادة التى لقيت فيما بعد مصرعها معها فى نفس الحادث الذى توفيت فيه أسمهان.
أما محاولات القتل فكانت مرة على يد المخابرات الإنجليزية، بعد أن قررت أسمهان إنهاء التعاون معها، ومرة على يد زوجها الثالث الفنان الدنجوان أحمد سالم، بعد محاولته منعها من الخروج لكثرة سهراتها وما أشيع حول علاقتها بأحمد حسنين باشا.
كل هذه الأحداث الساخنة ومحاولات القتل السابقة تشير وتؤجج دائما الحديث حول ملابسات وفاة الأميرة، وأن هذا الحادث الذى أنهى حياتها غارقة هى وصديقتها بسيارتها فى الترعة أثناء سفرها إلى رأس البر كان مدبرا، وليس قضاء وقدرا.
كانت أسمهان تعيش فى قلق وخوف ومشاكل وتربص، وزاد من هذه الحالة سفر شقيقها فؤاد الذى كثيرا ما كانت تشتعل بينهما الخلافات إلى جبل الدروز للقاء طليقها وابن عمها ووالد ابنتها كاميليا الأمير حسن الأطرش، وكانت غالبا هذه الزيارات فى غير صالحها، حيث كان شقيقها فؤاد من المعارضين لطلاقها، وصادف أن وافقت هذه الزيارة احتفال ابنتها كاميليا التى انتزعها منها طليقها بعيد ميلادها الثامن، وخلال هذه الزيارة سأل فؤاد الأطرش ابنة شقيقته الطفلة قائلا: "ماذا تفعلين يا كاميليا لو ماتت أمك"، وذلك بحسب ما ذكره الكاتب الصحفى محمد بديع سربية، رئيس تحرير مجلة الموعد، فيما كتبه عن أسمهان، وخلال هذه الزيارة تلقى الأمير حسن الأطرش وابن عمه فؤاد نبأ وفاة أسمهان غرقا، حيث أشارت عليها صديقتها مارى قلادة بالسفر إلى رأس البر لتهدئة أعصابها فى رحلة قصيرة تعود بعدها النجمة لاستكمال فيلمها "غرام وانتقام".
وسافرت أسمهان مع صديقتها والسائق، وكان الطريق سهلا، وفجأة اهتزت السيارة وفتح السائق الباب وقفز، واندفعت السيارة إلى الترعة، بينما اختفى السائق الناجى الوحيد من الحادث، ونزل الخبر كالصاعقة على كل محبى وعشاق الأميرة الجميلة وماتت أسمهان قبل أن تكمل فيلمها الأخير غرام وانتقام، مما اضطر يوسف وهبى مخرج الفيلم وبطله لتعديل السيناريو، ونزل الفيلم دور السينما بعد وفاة بطلته ليحقق رواجا كبيرا وإيرادات ضخمة.
ويضاف إلى سجل الخصوم السابقين اسم الملكة نازلى، والدة الملك فاروق؛ بسبب الغيرة والانتقام، حيث كانت نازلى على علاقة حب بأحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى، ولا يبتعد الملك فاروق ذاته عن قائمة خصوم أسمهان والمستفيدين من وفاتها، حيث أشارت بعض المصادر إلى أنه كان صديقا لأسمهان، وجمعتهما أكثر من حفلة من حفلات القصور الملكية، وأُعجب بها وبكبريائها، حيث كانت أسمهان تعامل الأسرة الملكية كأميرة وليست مجرد مطربة، وكانت ترفض أن تتقاضى أجرا على غنائها فى القصور، وقيل إن أسمهان صدت مشاعر الملك، مما سبب لها عددا من المتاعب، واعتبر وجودها على الأراضى المصرية غير مرغوب فيه.
وعلى كل حال سيبقى لغز وفاة أسمهان مفتوحا يبحث عن إجابة كلما مرت السنوات، وسيبقى اسم الأميرة الجميلة الحزينة الغارقة يتردد دائما رغم حياتها القصيرة على مر الأزمان.