زينب عبد اللاه تكتب: جنة رشوان

زينب عبداللاه زينب عبداللاه
 
حين تسمعه وتراه وهو يتحدث بخشوع ورضا  فلا تخلو عباراته من ذكر وشكر لله تشعر أنه من أهل الجنة، يقترب من صفات الملائكة، يتسلل إليك شعور بالاطمئنان والسكينة والنور حين ترى وجهه الباسم حتى وهو يتحدث عن الابتلاءات التى مرت عليه، منحه الشيب والتجاعيد مزيدا من التقوى والحكمة وفيضا من مشاعر الأبوة تغمر كل من يتعامل معه.

وحين يتحدث عن زوجته تتجسد أمامك كل معانى الإخلاص والرجولة والحب والرومانسية بلا زيف أو ادعاء، هكذا قدم الفنان الكبير رشوان توفيق نموذجا حقيقيا فى الحب والوفاء والعشرة الطيبة، وأصول معاملة الزوجة.

عندما ذهبت إلى منزل الفنان الكبير لإجراء حوار معه، وكان آخر حوار أجراه قبل وفاة زوجته، وجدت صورها فى كل مكان بالمنزل حتى على الأرائك والكراسى وفى مراحل عمرية مختلفة، وكأن الفنان الكبير أراد ألا تغيب عن نظره، وأن يراها فى كل ركن بالبيت حتى وإن حبسها المرض فى سريرها، وطوال اللقاء تحدث عنها ودعا لها كثيرا بالشفاء، أرجع لها الفضل فى كل ما وصل إليه:"طول عمرها شايلانى وسترتنى، اتجوزتها سنة 1957 وكان عمرها 17 سنة وكنت طالب وشافت معايا أيام صعبة وعمرها مااشتكت، ادعيلها يازينب يابنتى ربنا يشفيهالى"

بدت من الصور علاقة الحب الطويلة التى جمعت الفنان الكبير بزوجته، ومثل المحب العاشق تغيرت نبرة صوته حين تحدث عن أخلاقها وجمالها وصفاتها، قال عنها :" هى دعوة أمى الصالحة ونسخة منها فى الطباع والأخلاق، باشوفها دايما ملكة جمال وأحبها الأن أكثر من أيام الشباب"

تحدث الفنان الكبير عن ارتباطه بزوجته، مشيرا إلى قصة زواجهما وهو طالب بمعهد الفنون المسرحية: "كانت زوجتى تزور شقيقتها التى تسكن إلى جوارنا ولفت انتباهى جمالها وهدوءها وشخصيتها، تقدمت لها وأنا لا أملك شيئ ووافقت، وقالت لما نبتدى مع بعض هنفرح بكل حاجة نجيبها وهنحس بطعم وقيمة الحياة ، وتزوجنا فى بيت والدى وأنجبت ابنى توفيق وأنا طالب"

وتابع :"مرت علينا ظروف صعبة وعمرها مااشتكت ولا حسستنى إنى مقصر".

عاش رشوان توفيق مع زوجته فى جنة الرضا والقناعة والحب، خفف كل منهما عن الأخر، فنشأت بينهما علاقة روحانية جعلتهما يتغلبان على مشاق الحياة وابتلاءاتها، وجعلهما يزرعان الحب والتقوى فى نفوس أبنائهم ، توفيق وآية والمذيعة هبة رشوان، استطاعا معا أن يعبرا مأساة وفاة ابنهما الوحيد توفيق الذى توفى فى سن الأربعين بعدما تزوج وأنجب ابنة سماها أميمة باسم جدتها زوجة الفنان رشوان توفيق، كان كل من يمر إلى جوار منزلهما بالزمالك يلفت انتباهه هذا الحب والود للزوجين اللذان يجلسان معا فى شرفة المنزل.

وحين ذهبت لإجراء الحوار كانت زوجة الفنان رشوان توفيق الراحلة ترقد مريضة طريحة الفراش منذ ما يقرب من 5 سنوات، زاد خلالها حب وود وتعلق الزوج المخلص،رفض أعمالا كثيرة حتى يبقى إلى جوارها ، حرص مهما كانت الظروف ومهما كان الثمن على توفير من يخدمها فى مرضها، ولم يتسلل إليه الشعور بأنه تمثل عبئا عليه أو أنه يضحى من أجلها ، وإنما كان يشعر دائما بالامتنان والفضل لها وأنه لن يستطيع مهما فعل أن يسدد تضحياتها معه.

تحدث الفنان الكبير عن مشوار كفاح زوجته معه فى الحياة والفن: " شالتنى وأنا طالب ومفلس وتحملت معى كل الصعاب، وعاشت معايا على الحلوة والمرة ، كنا نعيش فى بيت والدى حتى تخرجت عام 1960، لكن ربنا تولى جيلى من الفنانين برحمته ، وتم تعيينى أنا وزملائى  فى أول يوم لافتتاح التلفزيون مساعدو إخراج وكان يوافق ذكرى ثورة 23 يوليو 1960 ، ثم توالت أعمالى التلفزيونية والسينمائية وربنا أكرمنى من أجلها".

كان حب رشوان توفيق لزوجته يزداد كلما مرت السنوات، لم يتغير حين عرف طريق الشهرة والنجومية، أو عندما تحسنت ظروفه المادية كالكثير من الرجال الذين يتنكرون لفضل زوجاتهم ، وبمجرد أن تتحسن ظروفهم يكثر حديثهم عن تعدد الزوجات، أو يرون أن الزوجة التى تحملت أيام الشقاء لم تعد مناسبة لأيام الرخاء.

لم يفعل رشوان توفيق مثل كثير من الرجال الذين بمجرد أن تمرض الزوجة يجدون ألف مبرر وحجة للزواج من أخرى، أو على الأقل يتحدثون عن بطولاتهم وتضحياتهم فى تحمل مرضها، ويرونها حملا ثقيلا يتمنون أن يريحهم الله منه.

 كان الفنان الكبير دائما يتعامل بحب مع زوجته، ينتظر شفاءها حتى وإن كانت كل المؤشرات تشير بأنه لا أمل فى هذا الشفاء ، يتحدث عنها دائما كشاب يتحدث عن فتاة أحلامه ويراها فى كل الأحوال ملكة جمال الكون، ويشعر دائما بأنها صاحبة فضل عليه.

انتشرت صوره وهو يبكى مودعا حب، فأبكانا جميعا وجعلنا نرى حبا عظيما حقيقيا وسط هذا الكم من المشاعر الزائفة التى يتحدث أصحابها عن الحب ولا يعرفونه، وتحولت مشاعرهم إلى مجرد منشورات زائفة كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعى.

قال لى الفنان الكبير باكيا بعد وفاة زوجته :" مهما عملت مش هاوفى حقها كل اللى بعمله دلوقت إنى أقرا قرآن علشان أدعى إنها تكون سعيدة فى الجنة "..رحم الله زوجة الفنان الكبير رشوان توفيق وجزاها وجزاه خيرا عن هذا الحب والإخلاص الذى يبنى جنة فى الأرض وجنة فى السماء.

 


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر