رغم أنه لم يحصل على المكانة والشهرة والنجومية التى تعادل عبقريته ومواهبه الفنية إلا أن ظهوره فى أى مشهد يؤكد أنه أحد عمالقة الفن وأباطرته، يكفى أن تراه فى مشهده الرائع وأدائه العبقرى وهو يجسد دور والد محفوظ عبدالدايم فى «فيلم القاهرة 30»، هذا الفيلم الذى ظهر فيه الفنان الكبير شفيق نور الدين لدقائق فقط خطف فيها الأنظار، وأكد أنه فنان عملاق من جيل العمالقة الذين أعطوا الفن إبداعا وصدقا فعاشت أعمالهم على مر الأجيال.
تمر اليوم ذكرى ميلاد الفنان الكبير شفيق نور الدين الذى ولد فى 15 سبتمبر من عام 1911 بقرية بجيرم مركز قويسنا محافظة المنوفية لأب يعمل تاجرًا فى بورصة القطن.
ورغم أنه لم يحصل على أدوار البطولة إلا أن كل أدواره أصبحت علامات فى تاريخ الفن لا ينساها الجمهور الذى ما زال يردد ويحفظ أشهر عباراته: «أحمد ابن حنبل قال تنقض وأبو حنيفة قال ما تنقضش».. لا ينسى أحد تلك العبارة التى رددها الأستاذ عبدالقوى وكيل المصلحة فى فيلم مراتى مدير عام، وهو يرتدى القبقاب استعدادًا لإعادة الوضوء، كما لا ننسى عبارته «نفسى ألبس جزمة ياسى حسن» التى رددها «على الطواف» فى مسرحية ومسلسل عيلة الدوغرى، ونذكر جيدًا وجه البقال الذى وقف مذهولًا بينما تلتهم الطفلة قطقوطة الجبن من أمامه فى فيلم «دهب».
أبدع الفنان الكبير شفيق نور الدين فى كل أدواره التى جسد فيها شخصيات الموظف البسيط، أو الفلاح الفقير، أو الأب المطحون وغيرها من الأدوار.
وفى ذكرى ميلاده كشفت ابنته سمية نور الدين العديد من أسرار والدها الفنان العبقرى، وأشارت إلى أن والدته توفيت وهو فى سن الحادية عشرة، وتركته وشقيقته الصغرى، فتزوج والده وكانت زوجة الأب أمًّا حنونة للطفلين اليتيمين، حتى إن شفيق نور الدين سمى إحدى بناته باسمها.
وقالت سمية نور الدين، إن والدها كان يعشق التمثيل بالفطرة و يشاهد عروض الفرق المتجولة ويجمع أطفال القرية فى الجرن أمام منزله وكونوا فرقة تمثيل، وكان يقوم بدور المخرج والمؤلف والممثل.
وتابعت: «أتقن أبى اللغة العربية من كتاب القرية والتحق بمدرسة الصنايع التى كانت تعطى شهادة تعادل كلية الهندسة وقتها، وكان يحب الميكانيكا والأعمال الهندسية، ولكن حبه للتمثيل شغله عن المذاكرة فلم يكمل دراسته، وكان والده يعارض فى البداية عمله بالفن، ثم وافق بعد ذلك».
وعن بداية احترافه للفن، قالت الابنة: «كان أبى يأتى إلى القاهرة بين حين وآخر ليحضر بعض المحاضرات لزكى طليمات، وفى أحد الأيام قرأ إعلانًا عن تكوين الفرقة القومية للتمثيل».
وعلى الرغم من أن الفنان شفيق نور الدين وصل متأخرًا بعد أن وقع الاختيار على 6 أفراد فقط للفرقة، إلا أن الفنان زكى طليمات كان يتوسم فيه خيرًا، وأوصى بضمه للفرقة، فتفوق نور الدين على باقى زملائه.
وقالت الابنة: "تم تعيين أبى فى البداية كملقن بالفرقة مقابل 3 جنيهات، وبعد فترة قرروا الاستغناء عنهم جميعًا بسبب أزمات فى الميزانية، فعرض عليهم أن يعملوا بلا أجر، وجاءته الفرصة للتمثيل بعدما غاب أحد أفراد الفرقة أثناء عرض مسرحية ملك القطن، فحل والدى محله وحقق نجاحا كبيرا فى الدور وتوالت عليه العروض المسرحية».
وعن سر ظهور والدها فى سن كبيرة قالت ابنة شفيق نور الدين: "أبى بدأ التمثيل فى سن 25 سنة ولكن كانت بداياته فى المسرح، ومعظم المسرحيات التى شارك فيها فى بداياته لم يتم تسجيلها، فظهر فى معظم أعماله المسرحية والسينمائية فى سن أكبر».
وقالت الابنة: «من شدة إتقانه وتميزه فى أداء أدواره قال عنه سعد الدين وهبة: "كنت أكتب المسرحية وأرى شفيق نور الدين فى الدور ولا أتخيل أن يقوم به غيره"، كما قال عنه وحش الشاشة فريد شوقى وكان يحبه جدا، وشاركه أكثر من عمل: "حين ترى شفيق نور الدين قبل صعوده على المسرح تعتقد أنه سيموت من شدة المرض والتعب، ولكن بعد صعوده خشبة المسرح يتحول ويركبه شيطان الفن فيصبح شخصًا آخر"، كما طالب المخرج والفنان الكبير عبدالرحيم الزرقانى بوضع تمثال أبى بملابس على الطواف فى مدخل المسرح القومى.
وتزوج الفنان الكبير شفيق نور الدين إحدى قريباته، وأنجب 6 أبناء "4 بنات وولدين" أحدهم الفنان نبيل نور الدين، وسكن لفترة فى باب الشعرية، ثم انتقل منها إلى العمرانية واستقر فيها حتى وفاته.
وقالت ابنته: «كان أبى يعمل ليل نهار فى السينما والإذاعة والتليفزيون حتى ينفق علينا، ولم يكن راتبه من المسرح وقدره 3 جنيهات يكفينا ففتح محلا لبيع اللبن والخبز».
تضحك الابنة قائلة: «كان أبى يحكى أن هناك بعض السماسرة يعرضون عليه الدور ويتقاضون نصف الأجر مقابل أن يعمل فى الفيلم».
وأطلق على الفنان شفيق نور الدين لقب زعيم الفلاحين والممثل الفلاح، حيث كان معروفا بصفاته وطبعه الريفى المحافظ، وكان يحلم بتكوين ثلاثى فنى يجسد فيه شخصية الفلاح، ويجسد الفنان محمد رضا شخصية المعلم والفنان عبدالغنى النجدى شخصية الصعيدى ولكن لم يسعفه العمر».
أبدع شفيق نور الدين فى مئات المسرحيات التى كانت علامات فى تاريخ المسرح القومى، منها: عيلة الدوغرى، ملك القطن، أم رتيبة، سيما أونطة، المحروسة، السبتية، سكة السلامة، بير السلم، المسامير، وسهرة مع الحكومة، كوبرى الناموس، القضية، إضافة إلى عشرات البرامج والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية والأفلام السينمائية التى أدى فيها دور الفلاح واليهودى والبخيل والموظف والقاضى.
وشارك فى عشرات المسلسلات، منها مسلسل الضحية الذى نجح نجاحًا كبيرًا وكانت الشوارع تخلو من الناس وقت عرضه، وكذلك مسلسل عائلة سى جمعة، كما قدم أعمالًا للأطفال ومنها مسلسل كرتون حمادة وعمو شفيق، ورحلة عم مسعود، وقام ببطولة فيلم "تاكسى".
وكشفت الابنة أن والدها كان يتقن العزف على العود ويهوى النحت ويجيد صنع التماثيل، وكان عاشقًا للقراءة فى كل المجالات وبارعًا فى إلقاء الشعر: «كان أبى يقول دائمًا يجب أن يكون الممثل مثقفًا وقارئًا جيدًا»
وتمتع الفنان الكبير شفيق نور الدين بمحبة كبيرة بين أبناء الوسط الفنى من كل الأجيال وقالت ابنته: "كانت الفنانة شادية تحب والدى جدًا وعندما تراه أثناء تصوير تقول «حبيبى أهو»، فيرد أبى «جوزك يزعل»، قاصدًا الفنان صلاح ذو الفقار فيرد ذو الفقار قائلا: «أنت حبيبنا كلنا يا بابا شفيق»، كما كان عبدالحليم حافظ يحب أبى وتوطدت علاقته به أثناء عملهما فى فيلم معبودة الجماهير".
وأشارت إلى أنه تم تكريم والدها فى عهد الرئيسين عبدالناصر والسادات وتوفى فى 13 فبراير من عام 1981، وأصرت الفنانة سميحة أيوب التى كانت مديرة للمسرح القومى على أن تخرج جنازته من المسرح الذى عشقه، وبالفعل كانت جنازته مهيبة وعزفت الموسيقى العسكرية، وحضر كل الفنانين والأدباء والمخرجين.