كغيره من الموهوبين الذين لا تبتسم لهم الدنيا رغم موهبتهم وقدرتهم على إضحاك الملايين عاش ومات يوسف عيد، فنان كبير الموهبة رغم أجره الضئيل وحظه القليل وما تعرض له من ظلم فنى طوال حياته التى لم يستطع خلالها إيجاد فرصة حقيقية لإظهار كل ما لديه من قدرات فنية.
أدوار قليلة بسيطة استطاع من خلالها يوسف عيد التأكيد على أن لديه الكثير وأن يبقى رغم مشاهده القليلة فى وجدان وأذهان الجمهور حتى لو ظهر فى العمل الفنى لدقائق أو قال جملة واحدة، ورغم ذلك لم يلتفت له أحد من المنتجين.
"الأستاذ زكريا الدرديرى مدرس رياضيات وفرنساوى لغاية ما يجيبوا مدرس فرنساوى" تلك العبارة التى يحفظها الملايين ويضحكون كلما تذكروا أداء الفنان يوسف عيد وهو يلقيها بفيلم الناظر صلاح الدين، كما لا ينسون دوره فى فيلم جعلتنى مجرما وهو يردد، "محسوبك المعلم عبده أجرنى صاحب مكتب حانوتى الشباب وشعاره عزيزى العميل اختار تربتك بنفسك"، وكذلك وهو يقول لاحمد حلمى "أضربك فين مفيش فى وشك مكان"، ومشهده فى فيلم "أسف على الإزعاج"، حينما جسد دور بائع الأعلام، وقال: "نفعنا بأى حاجة ربنا يسقيك من نار جهنم، ربنا يحرقك بجاز، ربنا يجعلك فى كل خطوة بلاعة"
هكذا كان نصيب الفنان يوسف عيد فى كل الأدوار، فنان كبير يؤدى أدوارا صغيرة ويحلم بدور ينصفه ولكنه لم يأت حتى رحل، فبقيت أدواره الصغيرة تذكرنا دائما بقوة موهبته.
تمر اليوم الذكرى الخامسة لوفاة الفنان المظلوم يوسف عيد الذى رحل عن عالمنا فى 22 سبتمبر عام 2014 بعدما شارك فيما يقرب من 240 عملا فنيا لم يحظ فى أى منها بدور يناسب موهبته وارتضى بمشاهد قليلة وأجر زهيد يحصل عليه باليومية حتى وفاته.
ولد يوسف عيد فى حى الجمالية بالقاهرة فى 15 نوفمبر 1948، والتحق بالمعهد الأزهرى وحصل على الثانوية الأزهرية، ولم يكمل تعليمه الجامعي، ولعشقه للفن ظل يبحث كثيرًا على فرصة، وبدأ مشواره الفنى بعدما وصل سن 27 عاما وكان ذلك عام 1975، بمشاركته فى مسرحية "نحن لا نحب الكوسة"، كما ظهر فى دور صغير بفيلم "شقة فى وسط البلد"، وبعدها توالت مشاركاته فى العديد من الأفلام ومنها : "ناس تجنن،عصابة حمادة وتوتو، السفارة فى العمارة، التجربة الدنماركية، اللمبى 8 جيجا، والحرب العالمة الثالثة"
و كانت أعماله للتليفزيون تعد على الأصابع ومنها: "رياح الشرق، حلقة واحدة "لحظات حارجة"، ومسلسل الكبير قوى، وميسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة".
لكن المسرح كان العالم الذى يجد فيه نفسه خاصًة وأنه شارك عمالقة الفن فى عدد من المسرحيات ومنها علشان خاطر عيونك مع عملاق الكوميديا فؤاد المهندس، وشارع محمد على" مع وحش الشاشة فريد شوقى.
واشتهر عيد بتقديم الموال فى عدد من أعماله، ومنها "موال السلام بالأيد" بمسرحية شارع محمد علي، يا حلو يا اللى العسل بفيلم التجربة الدنماركية، وموال "قلبى انشبك" فى فيلم "بوبوس"، حيث تميز فى أداء المواويل والتواشيح بحكم تربيته على يد الفقهاء وتجويده للقرآن الكريم خلال دراسته الازهرية.
وقف يوسف عيد أمام كل نجوم الصف الأول على اختلاف الأجيال، فؤاد المهندس وفريد شوقى، وأحمد زكى وعادل إمام ومحمد صبحى وصلاح السعدنى ومحمود عبد العزيز، وصولًا لجيل الشباب أحمد حلمى ومحمد هنيدى ومحمد سعد، وتامر حسنى وكريم عبد العزيز، وكان فى كل أدواره لافتا للانتباه خاطفا للكاميرا يحفظ الجمهور إيفيهاته ربما أكثر مما يحفظون اسم العمل الفنى، ورغم ذلك ظل المنتجون يحصرونه فى أدوار ومشاهد صغير وكان يقبل حبا فى الفن وأملا فى أن يحصل يوما على دور أكبر، كما أن التمثيل كان مصدر رزقه الوحيد.
وفى مقال كتبه الناقد الفنى كمال رمزى قال إن الفنان الراحل أحمد زكى أثناء تصوير أحد مشاهد فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" على كورنيش النيل أمام يوسف عيد تأخر فى الرد على كلام الأخير وتوقف، وفسر أحمد زكى ما حدث بأن طريقة أداء يوسف عيد، المباغتة، أخذته بعيدا عن التركيز، وجعلته مشاهدًا بدلا من أن يكون مشاركا، وأكد أن يوسف عيد، يملك طاقة فنية هائلة، فاجأته بشحنات انفعالية متوالية انفجرت فى وجهه.
ورغم هذه الموهبة ظل يوسف عيد طوال مشواره الفنى الذى اقترب من 40 عاما يتقاضى أجره عن أفلامه باليومية وليس بحجم الدور، وحدث ذلك حتى فى أكبر أدواره مساحة وهو دوره فى فيلمه الأخير عمر وسلوى.
وبمنزله المتواضع بميدان الجيش بالقاهرة وقبل أن يتحقق الحلم ويزول الظلم عن أحد مظاليم الفن المبدعين أسلم يوسف عيد الروح لبارئها عن عمر ناهز 66 عامًا وحيدا إثر تعرضه لنوبة قلبية، وقبلها كان عيد يعانى لسنوات من فيروس فى العين سبب له ضعفًا فى الرؤية وأجرى عمليات عديدة أرهقته على المستوى المادي، ونصحه الأطباء بالبعد عن الإضاءة والأتربة وهو ما يعنى التوقف عن التمثيل ولكنه لم يستطع أن يفعل ذلك لحبه للفن الذى كان مصدر رزقه الوحيد.
رحم الله المبدع يوسف عيد وجزاه خيرا عن فنه وصبره وإبداعه.