هل تخيل أى من عشاق كوكب الشرق أم كلثوم شكل الطرب دون صوتها، وهل تخيلا يوما أن يحرم الشرق من كوكبه، ويحرم العالم من هذا الصوت الذى ملأه فنا وطربا سحر القلوب والآذان ولم يأت الزمان بمثله؟
هل تصدق عزيزى القارئ أن الموسيقيين طالبوا يوما ما بمنع أم كلثوم من الغناء؟
نعم حدث ذلك فى سبتمبر من عام 1956، حيث ثارت ضجة واسعة فى نقابة الموسيقيين عندما طالب عدد منهم بوجوب تطبيق قانون النقابة على أم كلثوم، وثار الخلاف بين من طالبوا بذلك ومن رأوا استثنائها من قانون النقابة نظرا لمكانتها الفنية.
ففى عام 1955 صدر قانون النقابات المهنية وتضمن فى باب "أحكام عامة" مادة تنص على تشكيل لجنة مؤقتة مهمتها النظر فى قيد طلبات الأعضاء الراغبين فى الانضمام للنقابة، ووقع الاختيار على أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ومحمد الشجاعى ليكونوا أعضاء هذه اللجنة، وكان يجب على أعضاء اللجنة أن يستوفوا الأوراق المطلوبة لعضوية النقابة قبل مباشرة أعمال اللجنة، وكانت هذه الأوراق تتضمن شهادة الميلاد وشهادة تحقيق الشخصية وشهادة الخلو من السوابق "صحيفة السوابق"، وشهادة حسن السير والسلوك والجنسية المصرية.
ووقتها تحدثت أم كلثوم مع أحد المسئولين عن أهمية هذه الأوراق وأكد لها أهمية تقديمها للنقابة، وبعدها تنحت أم كلثوم عن عضوية اللجنة، وأكدت أنها انسحبت حتى لا تقع فى الحرج الشديد عندما تنظر فى طلبات انضمام بعض الأعضاء، وبالفعل حل محلها فى اللجنة الموسيقار فريد الأطرش، وقامت اللجنة بمهمتها دون أن تتقدم أم كلثوم بطلب للالتحاق بالنقابة.
وسألها أحد الأعضاء عن سبب عدم تقديمها أوراق النقابة، فأجابت بأنها لا تقر هذه الإجراءات التى تطالبها بتقديم أوراق كشهادة الميلاد وصحيفة السوابق وشهادة مزاولة المهنة، مشيرة إلى أنها شخصية معروفة وليس من المعقول أن تقدم صحيفة سوابق لأن كل الناس يعرفون من هى أم كلثوم.
وانطلقت الشائعات عن السبب فى عدم التحاق أم كلثوم بنقابة الموسيقيين، ولم تحاول أم كلثوم الرد على هذه التساؤلات، وذهب أحد اعضاء النقابة ليذكرها بالمادة "16" التى تنص على أنه لا يجوز لأحد أن يحترف إحدى المهن المذكورة التمثيل أو السينما أو الموسيقى مالم يكن اسمه مقيدا بجداول النقابة، ويعاقب كل من يخالف هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد عن شهر وبغرامة 50 جنيها مصريا أو بإحدى هاتين العقوبتين، واكتفت أم كلثوم بالضحك ولم ترد.
وفى أول اجتماع لمجلس النقابة أثيرت مسألة أم كلثوم واتفق الأعضاء فيما بينهم على تجاهل هذا الموضوع واستثناء أم كلثوم من أحكام المادة 16 نظرا لمكانتها الكبيرة، والخدمات الجليلة التى تقدمها للنقابة ولكن هذا الاتفاق لم يسجل فى محضر الجلسة.
وبدأت النقابة تمارس مهامها فى حماية الأعضاء من منافسة الهواة والدخلاء، وكثيرا ما وقعت مشاكل بين أعضاء النقابة وبين غير النقابيين بسبب تطبيق القانون عليهم فكانوا يقولون "اشمعنى أم كلثوم" حتى استفحل الأمر، ووجدت النقابة نفسها عاجزة عن حل الكثير من هذه المشكلات بسبب عبارة "اشمعنى أم كلثوم".
وعندما اجتمعت الجمعية العمومية لاتحاد النقابات الفنية الذى يضم جميع المشتغلين بالفن فى مصر وقف أحد الاعضاء يسأل رئيس الاتحاد عن سبب عدم انضمام أم كلثوم لعضوية النقابة وموقف النقابة منها وصاح أحد الموسيقين قائلا أن أم كلثوم شخصية فريدة لها مكانتها الخاصة وينبغى تجاوز تطبيق القانون عليها، فثارت ضجة كبيرة ورد أحد الأعضاء بأن ام كلثوم كغيرها من المصريين سواء أمام القانون ويجب تطبيق القانون عليها، ورد سكرتير الاتحاد بأن الاتحاد لا يقر أم كلثوم على عدم انضمامها للنقابة ويطالبها بالانضمام.
وذهب أحد الأعضاء إلى أم كلثوم يحاول إقناعها بتقديم أوراقها ولكنها أصرت على موقفها مؤكدة أنها تتمنى أن تنجح النقابة فى منعها من العمل حتى تخلد للراحة والهدوء.
ووقتها حرص الموسيقار محمد عبد الوهاب على أن يقف موقفا محايدا ويتجنب الحديث عن هذا الموضوع، بينما قال محمد الشجاعى إن بعض المغرضين هم الذين يثيرون الشائعات الكاذبة وأنه التقى بأم كلثوم وأكدت أنها ستتقدم بأوراقها للنقابة بعد عودتها من السفر وأنها حريصة على الالتزام بالقانون، وقال محمد بخيت سكرتير مجلس النقابة أنه لا يجب أن يستثنى أى مواطن من تطبيق القانون وأنه يربأ بأم كلثوم التى قادت الحركة النقابية طوال ثمان سنوات ألا تضرب لغيرها المثل فى احترام القانون، وإذا أصرت على موقفها فيجب ألا يطبق ضدها القانون احتراما لمكانتها، واقترح أحمد فؤاد حسن عضو مجلس النقابة أن تستثنى أم كلثوم من المادة "16" نظرا لمكانتها.
وانتهى الأمر بتقديم عدد من الأعضاء شكوى إلى مجلس نقابة الموسيقيين يطلبون فيها تطبيق القانون على كوكب الشرق.