تحل اليوم ذكرى وفاة صانع السعادة وعبقرى الموسيقى والغناء جميل الروح محمد فوزى الذى رحل عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 20 أكتوبر من عام 1966.
فوزى هذا اللطيف الجميل الذى زار الدنيا سنوات قليلة لم تتجاوز 48 عاما، ورحل عن عالمنا منذ أكثر من نصف قرن، ولكنه سبق عصره وعصورا بعده، وخلد اسمه ليبقى بيننا رغم الغياب باقيا رغم الرحيل، يعيش إبداعه وتعشقه كل الأجيال حتى قيام الساعة.
ولد عبقرى الموسيقى محمد فوزى عبدالعال الحو فى 15 أغسطس 1918 فى قرية كفر أبو جندى بمركز قطور محافظة الغربية، وهو الابن الحادى والعشرين من أصل خمسة وعشرين ولدًا وبنتًا، منهم المطربة هدى سلطان، عشق الفن والموسيقى منذ صغره، وتعلم أصولها على يد محمد الخربتلى أحد أصدقاء والده، الذى كان يصحبه للغناء فى الموالد والليالى والأفراح، وهجر بلدته الصغيرة وجاء إلى القاهرة هائما فى عشق الموسيقى رغم رفض والده، وعانى الفقر والجوع فى بداية حياته التى تنقل فيها بين الفرق والملاهى الصغيرة.
وفى أحد أعداد مجلة الكواكب الصادرة عام 1959 كتب فوزى بعضا من مذكراته، وحكى عن معاناته فى هذه الفترة، قائلا: "هبطت إلى القاهرة للالتحاق بمعهد الموسيقى، بعد أن تركت مدرستى الثانوية وضحيت بكل شىء، مما تسبب فى سخط أبى الذى كان يرى فيما أفعله كلام فارغ، وكنت أملك ذخيرة من الآمال والأحلام الوردية رغم الإملاق المادى الذى كنت أعانيه".
وتابع فوزى: "كنت شبه معدم لا تكاد ظروفى المادية تسمح لى بالإقامة فى مسكن متواضع يتوفر فيه الاستقلال والراحة، وبصعوبة استطعت أن أجد حجرة فى شقة تملكها سيدة عجوز كانت فيما مضى راقصة فى أحد الملاهى، وعندما تقدم بها السن اكتفت بأن تعيش على هامش الحياة تؤجر غرف شقتها المفروشة لطائفة من الفنانين الناشئين أمثالى، ولم تكد تمضى أيام قليلة حتى أحسست بأننى محل رعاية خاصة من السيدة العجوز المتصابية".
ظن فوزى فى البداية أن صاحبة الشقة العجوز تعطف عليه بدافع عاطفة الأمومة، حتى أنها لم تكن تطالبه بأجرة حجرته فى أول أيام الشهر كما تفعل مع باقى السكان، وكان الوحيد الذى تسمح له باستخدام الكهرباء دون شتائم أو لعنات، حتى فوجئ بها تدخل غرفته ليلا وهو نائم.
وقال فوزى: "فوجئت بها تقفز على وتعانقنى وتلف ذراعها حولى محاولة تقبيلى، وكان كل سكان الشقة فى الخارج، وظللت أقاومها حتى أفلتُّ منها، ولكنها كانت قد أغلقت الباب، فاتجهت نحو النافذة، وقفزت منها هربا من السيدة العجوز، وكدت أفقد حياتى لولا أننا كنا فى الدور الأول الذى يرتفع مترين عن الأرض، وما كدت أستقر فوق الأرض حتى وجدت السيدة تلقى كل ملابسى ومتعلقاتى فى الأرض".
شرع فوزى للبحث عن حجرة أخرى حتى عثر على غرفة فى التوفيقية، ولكنه كان يعانى من عدم قدرته على الانتظام فى دفع الأجرة، حيث قطع عنه والده كل ما كان يرسله له وطالبه بالعودة لاستكمال دراسته الثانوية، وكان يضطر لترك الغرفة فى الصباح الباكر، لأنها كانت تستخدم كمكتب خلال النهار".
وشعر فوزى ببعض السعادة بعدما تمكن من الالتحاق بالعمل فى ملهى بديعة مصابنى، الذى كان من أكبر الملاهى الليلية وقتها، والتحق بفرقتها كمطرب للاستعراضات الغنائية، وبدأت متاعبه المالية تقل، وحقق بعض النجاح، وبدأت صوره وأخباره تُنشر بالصحف وأصبح له معجبون.
وأضاف فوزى: "بدأت تتجه إلى أنظار راقصات فرقة بديعة، واستطاعت واحدة منهن أن تنال اهتمامى، وشعرت بالحب نحوها، ولكننا تكتمنا هذه المشاعر؛ لأن بديعة لم تكن تسمح بأن يتبادل أفراد فرقتها الحب، وكانت تفضل لهم الزواج السريع، ولم تكن ظروفى تسمح وقتها بالزواج".
ولكنه لم يستمر الأمر فسرعان ما عرفت بديعة بالخبر فطردت الراقصة التى يحبها فوزى ولم تطرده؛ لأنها كانت فى حاجة له كنجم لفرقتها الاستعراضية، كما أكد فوزى فى مذكراته.
ورغم ذلك أصر فوزى وفاء منه لحبيبته أن يترك فرقة بديعة مصابنى، وكان يعتقد وقتها أنه سيواجه أياما قاسية، ولكنه فوجئ بأن تركه للفرقه كان نقطة تحول فى حياته الفنية، قائلا: "وقّعت بمجرد خروجى من الفرقة عقودا للعمل فى المسارح والسينما وبدأت أشق طريق الشهرة".
وخلال ثلاث سنوات استطاع فوزى التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية، وقام ببطولة عشرات الأفلام، وأسس شركة للإنتاج السينمائى، وأذيعت أغانيه فى الإذاعة التى رفضت إجازته من قبل، وفرض نجاحه عليها بأغانيه المتنوعة التى حققت جماهيرية واسعة.