يوما بعد يوم تتزايد صعوبة مهمة أفلام الرعب فى الإقناع، وذلك مع تزايد مشاهد القتل والدم فى الشوارع، والمجازر التى أصبحت أمام أعين العالم، ولكن بكل تأكيد مع وجود سيناريو متماسك ومخرج واع ومتمكن من أدواته تكون المهمة أسهل فى إقناع الجمهور، ولكن يظل جانب المنافسة مع أفلام الرعب الأخرى تحديا من نوع آخر، خاصة أن السينما العالمية تزخر بمئات الأفلام التى تنتمى لفئة الرعب، ولا تزال تحتفظ بمكانة كبيرة لدى الجمهور.
قبل أيام قليلة كان عشاق أفلام الرعب على موعد مع فيلم Eli صاحب الميزانية المتواضعة، من إخراج سياران فوى، ومن سيناريو الثلاثى ريتشارد ناينج وآن جولدبيرج وديفيد تشيرشيريلو، وبطولة الطفل تشارلى شوتويل فى دور إيلى، وكيلى ريلى وماكس مارتينى وليلى تايلور وسادى سينك.
الفيلم للوهلة الأولى يوحى لك بأنه قصة طفل يعانى من حساسية نادرة تمنعه من التنفس فى بيئة طبيعية، ولكى يعيش لابد أن يمارس حياته داخل غرفة عزل معدّة خصيصا بأجهزة لتنقية الهواء، منعا لأى شىء من الممكن أن يدخله فى حالة عدم القدرة على التنفس.
وتتوالى الأحداث، فنعيش فى حالة من التعاطف الشديد مع طفل برىء غير قادر على ممارسة حياته بشكل طبيعى، وعندما يخرج من المنزل لابد أن يرتدى بدلة مثل بدلة رواد الفضاء لتحميه، وتضمن له الأكسجين النقى، وهو مدخل للفيلم يُحسب لكتاب السيناريو ممن وضعوا المشاهد فى حالة تعاطف شديدة مع ذلك الطفل، دون وجود أى جرعة من جرعات الرعب، كنوع من التمهيد لما هو قادم.
يأخذنا مخرج الفيلم "سياران فوى" فى رحلة تلك الأسرة لعلاج "إيلى" داخل منزل مجهز لعلاج هذه الحالة النادرة التى أصيب بها قبل سنوات، لنعانى معه من ويلات هذا العلاج الذى يؤثر بشكل كبير على حالته العقلية، وهنا ندخل فى فصل جديد من فصول الفيلم، ويبدأ المشاهد فى تجرع جرعات الرعب، خاصة أن إيلى طفل مريض ويعانى من مرض نادر، ويحمل ملامح بريئة وذكية، وهو ما يجعل المشاهد تتحرك مشاعره بشكل كبير تجاهه، ويحرض عقول المشاهدين على التفكير فيما وراء نوايا الطبيبة المعالجة، فيبدأ المشاهد فى إلقاء التهم على تلك الطبيبة بكونها لا تعالج إيلى، وإنما تعده لأمر آخر مجهول، ربما تضحى به كتضحية بشرية فى سبيل الحصول على قوى سحر معينة أو ما شابه.
سيناريو الفيلم الذكى يأخذ المشاهد لمنطقة شك أخرى فى نوايا والد الطفل الكتوم الذى نكتشف فيما بعد أنه يعلم جيدا أن علاج الطفل مستحيل، وأن مراحل العلاج الأخيرة قد تؤدى إلى وفاته، لكنه مستكين للفكرة وغير معترض، ليحرض الأمر الجمهور على التفكير فيما وراء ذلك الأب، إلى أن ينتهى الفيلم ونكتشف مفاجأة عكس كل التوقعات والفرضيات التى فرضها عقل المشاهد للفيلم، وهو دون حرق للأحداث ما يجعل الفيلم يستحق المشاهدة، فهو فيلم ذكى صنع وهمًا صدقناه، ولعب على كل الحبال، وجعل المشاهد يتشكك فى جميع الأطراف إلى أن يُصدم فى النهاية.