سلط فيلم "جوكر" لمخرجه تود فيليبس الضوء على واحدة من أهم مصانع تفريخ المجرمين، وهى البيئة التى يعيش فيها المهمشون، والمهمشون ليسوا بالضرورة هم المشردين ممن ليس لديهم مأوى، وإنما أيضا من يعيشون على حد الكفاف، ممن يلعنون يوميا، وربما فى كل لحظة، حياتهم ويلقون باللوم والاتهامات على المتسببين فى هذه الحياة الكريهة التى يعيشونها، سواء حكومات وسياسيين أو مواطنين يتعاملون معهم كما يتعاملون مع الجرذان فى الشوارع، يخشون لمسهم ويتفادون النظر إليهم.
اختار المخرج تود فيليبس أن يعيدنا إلى تاريخ شخصية "جوكر" الشريرة والشهيرة أيضا لنغوص فى مسببات هذا الكم من الشر، ما الذى يجعل شخصا بسيطا مسالما يتحول إلى وحش يتلذذ بالقتل، ولا يجد ذاته إلا فى التخلص ممن يتجاهل وجوده.
ربما تخشى أمريكا الفيلم لأنها تعى جيدا أن فى المجتمع الأمريكى "جواكر" كثيرة تنتظر الفرصة للتحول إلى هذا الشخص، "جواكر" كثيرة تجاهلت الإدارة الأمريكية وجودها فى المجتمع، وتركتهم يسكنون الشوارع ويفترشون الأرصفة، أقدّر بالطبع خوف أمريكا من تكرار واقعة مجزرة أورورا والتى قام شاب بفتح النار على جمهور فيلم The Dark Knight Rises، معتبرا نفسه هو الجوكر تلك الشخصية الشريرة التى ظهرت فى الفيلم، لكن ربما هناك تخوف آخر من نقل عدوى الانتقام التى يعيش فيها بطل الفيلم ممن سخروا منه وممن تجاهلوا وجوده وممن تعاملوا معه على أنه حشرة.
فيلم "جوكر" واحد من أبرز وأهم الأفلام التى تصرخ فى وجه المجتمع وتقول أن هناك شيئا ما يتغير فى نسيج المجتمعات التى تعتاد التلذذ فى أحيان كثيرة بالسخرية من الضعفاء وممارسة العنف والتمييز والتنمر عليهم لعلة ما فيهم ربما تكون مرضا ربما سذاجة أو لأسباب أخرى، فالإنسان غير السوى دائما ما يخرج عقد نقصه على من هو أضعف منه.
من أقوى الظواهر التى رصدها الفيلم هى السخرية من الآخرين بدم بارد، مثلما فعل "مارين" روبرت دى نيرو، والذى جسد شخصية المذيع الساخر "مارى فرانكلن" وهو مقدم البرامج الذى سخر من "آرثر – جوكر"، "خواكين فينيكس" ومن موهبته فى مجال الكوميديا، بل وطلبه ليظهر معه فى البرنامج ليسخر منه من مرة أخرى، بعدما حقق مقطع السخرية من "آرثر" رواجا بين جمهور البرنامج.
البطل الرئيسى فى فيلم جوكر هو الظروف التى صنعت من أرثر المسكين، "جوكر" شرير، فمخرج العمل حرص على ألا يكون بطل الفيلم هو خواكين بقدر ما أراد أن تكون شخصية الجوكر هى البطل، فتغير ملامح خواكين، جعلتنا نشاهد ممثلا آخر ربما لم نكن نستوعب أنه يعيش بيننا، بالطبع الجهد الكبير فى الوصول لهذه الدرجة من النحافة والتطويع الجسدى بما يخدم الشخصية أمر فى منتهى الذكاء ويحسب لصالح خواكين، إضافة إلى أدائه الرائع فى تقديم الشخصية بهذه الخصوصية التى لا تشبه أحد فهو كسب التحدى بتقديمه شخصية سبق وأن قدمت ولكن بتوقيع جديد يحمل اسمه.
طريقة سرد حكاية "ارثر" وتحوله إلى "جوكر" الشرير والمواقف التى مرت به والظروف المحيطة التى جعلت منه ذلك الشرير سردت بالفيلم بطريقة رائعة فتسلسل الأحداث منطقى إلى حد كبير، رغم الحالة العقلية التى يعانى منها البطل الرئيسي، فطوال الوقت الأحداث تجعل المشاهد فى حالة تفكير طوال الوقت حول ما إذا كان ما يراه حقيقيا أم خيالا، يتخيله هو أم أنه بالفعل يعيش فيه، وما أكد أن بعض الأحداث من خيال الجوكر نفسه هو أن الحب الذى جمعه بجارته هو داخل عقله فقط وربما أغلب الأحداث هى نسيج الخيال فربما توقفت الأحداث الحقيقية لدى عدم صرف أدويته وانتهى الحال به فى آخر مشهد حيث قتل الطبيبة المعالجة، وربما أيضا هذا المشهد من واقع خياله هو الآخر.