تحل اليوم ذكرى ميلاد أديب نوبل الأديب العالمى نجيب محفوظ، الذى ولد فى مثل هذا اليوم الموافق 11 ديسمبر من عام 1911، وهو أحد عظماء الأدب فى مصر والعالم، حيث استطاع أن يغوص فى الشوارع والأزقة المصرية، ويجسدها فى كتاباته لينطلق من المحلية إلى العالمية.
وكان لنجيب محفوظ العديد من الروايات التى تحولت إلى أعمال فنية مهمة، ومنها: "بين القصرين، السكرية، قصر الشوق، بداية ونهاية، زقاق المدق، الطريق، القاهرة 30، خان الخليلى، السمان والخريف، ميرامار، السراب، ثرثرة فوق النيل، السكرية، الشحاذ، الحب تحت المطر، الكرنك، عصر الحب، الشيطان يعظ، وكالة البلح، قلب الليل، الحب فوق هضبة الهرم"، وهو ما جعله يحمل وجهة نظر مهمة عن أداء عمالقة الفن الذين، وخاصة الذين قاموا ببطولة الأفلام المأخوذة عن رواياته، كما جمعته علاقة صداقة بنجوم الفن، منهم الفنان الكبير أحمد مظهر.
وفى أحد أعداد مجلة الكواكب النادرة الصادرة فى فبراير من عام 1968 قام الفنان الكبير أحمد مظهر بدور الصحفى، وأجرى حوارا مع صديقه الأديب الكبير نجيب محفوظ سأله فيه عن رواياته وأعماله، وحمل الحوار الكثير من روح الود والدعابة بين الفنان الكبير والأديب العالمى.
وقد ربطت بين الفارس أحمد مظهر والروائى العالمى نجيب محفوظ علاقة صداقة طويلة، وكوّنا مع عدد من عمالقة الأدب والفن مجموعة أصدقاء أطلقوا على أنفسهم شلة "الحرافيش، ومنهم: مصطفى محمود وصلاح جاهين وتوفيق صالح وعادل كامل، وغيرهم، وصاحب إطلاق هذا اللقب هو "مظهر" نفسه، واعتادوا ان يجتمعوا دائما على مقهى الفيشاوى بالحسين، ومقهى على بابا.
وبدأت العلاقة بين نجيب محفوظ وأحمد مظهر منذ عام 1943، قبل أن يخوض مظهر المجال الفنى، واستمرت حتى وفاة الفنان أحمد مظهر.
وقال أحمد مظهر عن صداقته للأديب العالمى: "نجيب محفوظ هو صديقى الأول ولا يعلو عليه أحد فى قلبى".
وبدأ الحوار بدعابة سأل فيها نجيب محفوظ الفنان أحمد مظهر، قائلا: "أنت ناوى تبقى صحفى.. أُمال الصحفى يشتغل إيه؟"، فأجابه مظهر، قائلا: "أى حاجة إلا التمثيل دى نصيحة لوجه الله".
وسأل مظهر الأديب الكبير عن رأيه فى فيلم قصر الشوق، فأكد محفوظ أنه معجب بالفيلم، مشيدا بدور المخرج حسن الإمام ووصفه، بأنه "روح الفيلم وعصبه"، مؤكدا أن إيرادات الفيلم أثبتت نجاحه.
وخلال الحوار طرح الفنان أحمد مظهر على الأديب العالمى ما قيل عن فيلم قصر الشوق وقتها بأنه عرض جنسى صارخ من النوع الذى لا يألفه المجتمع، فأجاب محفوظ قائلا: "والله أنا محتار بقى كل الأفلام اللى بتتعرض من 20 سنة فيها جنس فقط، وقصر الشوق فيه جنس صارخ، أنا عاوز أسأل ليه بنقبل الجنس الأجنبى ونكره الجنس المصرى وفيه نقطة هامة، الجمهور لا يتخيل أنه يرى فيلما من غير جنس، والجنس معروض فى فيلم قصر الشوق بعلاج ومناسبة".
ووصف نجيب محفوظ الكاتب والأديب خلال هذا الحوار بأنه مثل "عربية الرش" لأنه لا بد أن يمتلئ من أدب الآخرين ليعطى الآخرين، مشيرا إلى أن معظم الأدباء فى مصر متعبين؛ لأن معظمهم غير متفرغ، وكثير منهم موظفون حكوميون أو صحفيون، وهناك غيرهم مدفونون.
وسأل أحمد مظهر أديب نوبل، قائلا: "يصفونك بأنك كاتب الأزقة والحوارى وشوارع المدن فقط، وأنك لم تهتم بالقرية، فأجاب الأديب العالمى: "عندك حق، لكن من أين أجد الوقت لكى أذهب إلى الريف وأعيش فيه، وعلشان أكتب عن الريف لازم أكون منفعل بالريف تماما كما انفعلت بالأزقة والحارات، وحتى يظهر الأدب واقعيا صادقا ومعبرا".
وكانت لنجيب محفوظ آراء مهمة فى النجوم الذين جسدوا شخصيات رواياته، منهم السندريلا سعاد حسنى، التى كتب عنها محفوظ مقالا خاصا، فى عدد مجلة الكواكب الصادر بتاريخ 17 يوليو من عام 2003 بمناسبة ذكرى وفاة السندريلا تحدث فيه عنها، وذلك تحت عنوان "أعظم ممثلة عرفتها السينما".
وفى هذا المقال كتب نجيب محفوظ أن سعاد حسنى من أعظم الممثلات اللاتى شهدتهن السينما المصرية، وأنها ذات طاقة تمثيلية كبيرة تجعلها تجيد وتتألق فى مختلف نوعيات الأدوار على عكس الكثير من الفنانات اللاتى لا يجدن غير لون واحد.
وأضاف محفوظ متحدثا عن السندريلا: "هى فنانة شاملة تجمع بين التمثيل والرقص والغناء، وتتيح لها مواهبها المتعددة أن تجمع أدوار التراجيديا والكوميديا والميلودراما، كما تمثل أدوار مختلف الطبقات الشعبية والأرستقراطية".
وتابع أديب نوبل متحدثا عن أول لقاء جمعه بالسندريلا: "قابلت سعاد حسنى فى بداية مشوارها الفنى فى ظروف إنتاجية تتعلق بقيامها ببطولة أحد الأفلام المأخوذة عن رواية لى، وقد كانت فتاة مهذبة ودمثة الخلق وخفيفة الظل، كما كانت فنانة مرهفة الحس، ولقد تعجبت فى البداية حين رشحت للقيام لأول مرة ببطولة فيلم لى وأعتقد أنه كان" الطريق"، فى أواسط الستينات، فقد اعتدت أن أراها فى أدوار خفيفة تميل إلى الكوميديا، لكنى وجدت فيها بعد ذلك أبعادا تراجيدية عميقة".
واستكمل نجيب محفوظ مقاله عن السندريلا: "أعتقد أنها كانت من أكثر الممثلات تنوعا فى الأداء فى وقت كان الكثير من الممثلات الأخريات يملن إلى النمطية، ولقد بهرت بأدائها فى الكثير من الأفلام المأخوذة عن رواياتى أو التى كتبت لها السيناريو بنفسى، فكان أداؤها رائعا فى "القاهرة 30" لصلاح أبو سيف، وفى "الاختيار"، ليوسف شاهين، كما دخلت قلبى بخفتها فى "أميرة حبى أنا" لحسن الإمام.
وتابع: "لقد تطورت سعاد حسنى بسرعة من أدوار الفتاة الظريفة الخفيفة إلى أدوار المرأة الناضجة، بحيث صارت قادرة على أداء أى دور سينمائى، مهما كانت أبعاده، فقد كان لديها مواصفات جميع الأدوار من الفرح إلى الحزن ومن الأمل إلى الإحباط".
واسترسل نجيب محفوظ ليتحدث عن عبقرية سعاد حسنى قائلا: "الشىء الثانى الذى ميز سعاد حسنى هو مصريتها الصميمة، ففى أدائها شخصية الفتاة الخفيفة كانت خفتها هى الخفة التى اشتهر بها المصريون، كما كانت حاستها الكوميدية ذات طابع مصرى أصيل فى الوقت الذى كنت تجد فيه بعض الممثلين الآخرين يقدمون كوميديا أقرب إلى ما تره فى الأفلام الأجنبية، لذلك كنت أسعد كلما قدمت سعاد حسنى إحدى رواياتى؛ لأن شخصياتى تتسم بالطابع المصرى الصميم نفسه الذى اشتهرت به فنانتنا العظيمة".