- قريباً أعود وأقدم حفلات فى الأوبرا.. وهذه حكايتى مع الرئيس عبدالناصر
- الكبار رحلوا والصغيرين لا أعرفهم وحصلت تغيرات مش عارفة أتماشى معها
- بليغ حمدى سمع إن فى طالبة صوتها حلو فبحث عنى وقدمنى فى حفلة حليم وقاد الأوركسترا بنفسه وشاركنى بطولة مسلسل
صوتها يحمل فيضًا من النور والدفء والرومانسية كأنه لا ينتمى إلى هذا العالم، تتحدث فلا يملك من يسمعها سوى أن ينصت لهذا الصوت المبعوث من زمن العمالقة ليحمل ريحهم الطيب وفنهم الراقى إلى كل الأجيال، تحمل سلامهم مرددة «ردوا السلام»، تشتاق لجمهورها وكأنها تناديه، ويناديها مرددًا «بتسأل يا حبيبى بحبك أد إيه»، حين تسمع هذا الصوت يتحدث تعرف سر الغياب وسر الإحساس بالغربة والاختلاف، فالمطربة الكبيرة تنتمى إلى جيل العمالقة الذين عاصرتهم ووقفت إلى جوارهم وهى لازالت طالبة صغيرة، واستطاعت بموهبتها أن تشق طريقًا بينهم، وأن تجد لها مكانًا ولونًا مميزًا، وأن تفرض وجودها وتلفت انتباه كبار الملحنين ليقدم كل منهم ألحانًا تتناسب مع الكريستالة ذات الصوت الأوبرالى الانسيابى الجميل.
إنها المطربة الكبيرة عفاف راضى التى تحمل تاريخًا فنيًا كبيرًا يوازى موهبتها التى استطاعت أن تقدم كل ألوان الغناء الرومانسى والوطنى وحتى الشعبى بأسلوبها الخاص المميز وصوتها الملائكى الرقيق الخجول.
«هوا ياهوا، سهر الحبايب، تساهيل، طير ياحمام الدوح، يهديك يرضيك، شبيك لبيك، يمكن على باله، عشاق الليل، كله فى الموانى، قالى تعالى، بحلم ببلاد بعيدة، وبتسأل يا حبيبى، أنا ملك أمرك، مصر هى أمى، وعدى على الغربة» وغيرها عشرات الأغانى التى أمتعتنا بها خلال مشوارها الفنى الذى لم تنس فيه الأطفال، فقدمت أجمل وأرق الأغانى التى تربت عليها الأجيال، ومنها «سوسة كف عروسة، هم النم، شمس الشموسة، حادى بادى، امشى عنه ـ ياقطتى ـ بريل ابريلا، تاتا تاتا، وغيرها».
غابت عفاف راضى عن جمهورها لسنوات طويلة، وكانت تطل خلال هذه السنوات فى أعمال قليلة بين فترة وأخرى فيستقبلها جمهورها المشتاق بلهفة دون أن يشبع من لقائها.. أجرينا حوارًا مع الفنانة الكبيرة عفاف راضى تحدثت فيه عن أسباب الغياب وتذكرت فيه الطفولة والبدايات وأهم المحطات، وعلاقتها بعمالقة التلحين والطرب ورأيها فى حال الغناء حاليًا وفى أغانى المهرجانات وعن خطط وآمال العودة.
أسباب الغياب
برقة ممزوجة بلمحة حزن أجابت حين سألناها عن أسباب الغياب، قائلة «المناخ اتغير والفنانين الكبار رحلوا والصغيرين لا أعرفهم، مبقاش فى حفلات زى الأول والإنتاج قليل، المنتجين أحجموا عن إنتاج الأغانى خصوصًا بعد ظهور النت واليوتيوب وتسريب الألبومات، وفى تغيرات كتيرة حصلت مش عارفة أتماشى معه، بالإضافة إلى كسلى».
تفسر غيابها عن حفلات الأوبرا المصرية وظهورها مؤخرًا فى حفل بالأوبرا فى دمشق «من فترة عملت حفلات كتير فى الأوبرا ولكن ما حدش حس بيها لأنها لم تكن مذاعة، وبعد فترة غياب عن الحفلات عرض علىَّ القائمون على الأوبرا السورية إقامة حفل هناك وأبدوا استعدادهم لتلبية كل ما يحتاجه الغناء على مسرح الأوبرا من أوركسترا وغيرها، وهذا شجعنى خاصة مع شوقى للعودة للغناء فى الحفلات، ولكنى قريبًا سأستأنف نشاطى فى الأوبرا المصرية».
تسترجع ذكريات زمن الفن الجميل وكيف تغير الحال، قائلة «الدنيا اختلفت تمامًا، قبل كدة كنت بشتغل مع شركات إنتاج زى صوت الفن وصوت الحب وصوت القاهرة، وكان فى أكتر من حفلة فى السنة، فى الأعياد وشم النسيم، وكنت بشارك فى حفلات عبدالحليم، وكانوا حوالى 6 حفلات فى السنة، وكان فى حركة نشاط كبيرة واهتمام بالمسائل الفنية، والإذاعة والتليفزيون بينتجوا، دلوقت لم يعد كل هذا موجودا»، تشير إلى أن هذه القضية لا تخصها وحدها ولكنها قضية عامة، موضحة «المسألة ليست خاصة بى وحدى، فهناك أصوات كتير بدأت كويس ومش عارفة تكمل، بالإضافة إلى رحيل جيل عمالقة الفن والتلحين فى فترات متقاربة، ومنهم بليغ حمدى وسيد مكاوى والموجى ومنير مراد وغيرهم وهذا أثر على الجيل الموجود».
الطفولة والبدايات
تستعيد ونستعيد معها ذكريات الطفولة والبدايات، حيث ولدت عفاف راضى فى مدينة المحلة، ولها ثلاثة أشقاء منهم المخرج منير راضى ومدير التصوير ماهر راضى، بالرغم من أن والدها ووالدتها ليس لهما علاقة بالفن، إلا أن عددًا من افراد العائلة عملوا بالفن ومنهم المخرجان الكبيران محمد وسيد راضى.
تتحدث المطربة الكبيرة عن طفولتها، قائلة «شعر والدى بموهبتى وأنا فى سن صغيرة وبأننى أمتلك صوتا عذبا، وكان عاوز يتأكد إن فى ناس غيره هيعجبهم صوتى، فكان كل ما ييجى حد من أصحابه يقوللى أغنى وكانوا بيعجبوا بصوتى جدا، وبعدها شاركت فى برامج الأطفال مع ماما سميحة وأبلة فضيلة والتحقت بالكونسرفتوار».
درست عفاف راضى آلة البيانو والعزف عليها وفسرت ذلك قائلة «لأن سنى كان صغيرًا ماكنش ينفع أغنى لأن هناك سنا قانونيا للغناء فدرست بيانو، وكانت طفولتى شاقة جدًا كنت بادرس تعليم عادى فى المدرسة وباتعلم فى الكونسرفتوار، وأغنى وأشارك فى برامج الأطفال وكنت أبذل مجهودًا كبيرًا وأنا فى سن صغيرة، حيث كانت طفولتى شاقة ولم أعشها كباقى الأطفال، وبعد أن وصلت للسن القانونى للغناء تخصصت فى الغناء الأوبرالى، فكنت بغنى عربى فى البيت وغربى فى المعهد».
لفتت عفاف راضى بموهبتها انتباه أساتذتها فى المعهد، وأصبحت نجمة حفلاته واعتادت منذ صغرها على مواجهة الجمهور.
تتحدث عن سماع الرحبانية لصوتها وهى طالبة فى الكونسرفتوار، قائلة «كانوا أول مرة ييجوا القاهرة، وجاءوا إلى المعهد وسمعوا الطلبة المتميزين، وسمعونى وأعجبوا بصوتى وخلاص، زيهم زى ناس كتير لكن لم يكتشفونى، والفضل فى اكتشافى لبليغ حمدى».
بليغ حمدى مكتشف الكنوز
بعرفان شديد تتحدث عن دور بليغ حمدى فى مشوارها الفنى «بليغ سمع عنى وعرف إن فى طالبة اسمها عفاف راضى صوتها حلو، فأرسل ناس تبحث عنى، وعرفوا عنوان منزلى وجاءنى سكرتيره، وأخبرنى بأن بليغ حمدى يريد مقابلتى، فذهبت إليه وقرر أن يقدمنى فورا».
بحسرة تقول وهى تسترجع ذكريات هذه الفترة: «كان هذا هو المناخ الذى نعيش ونعمل فيه وقتها، يعرف الملحن أن هناك فنانا موهوبا فيبحث عنه ويقدمه، وبالفعل قدمنى بليغ حمدى فى حفلة من حفلات عبدالحليم حافظ بالإسكندرية تضم عددًا من نجوم الطرب، ووقتها كنت طالبة صغيرة وكانت جرأة منه أن يجعل أول ظهور لى فى حفلة كبيرة وهى حفلة الربيع، بل وقف بليغ بنفسه ليقود الفرقة الموسيقية، وكانت أول مرة يعمل كدة علشان يدعمنى».
وتابعت المطربة الكبيرة قائلة «كنت قبلها عملت حفلات كتير فى المركز الفرنسى والجامعة الأمريكية ورجلى أخدت على المسرح وتعودت على مواجهة الجمهور، لكن كانت هذه الحفلة بداية شهرتى الفنية، وقدمنى بليغ حمدى فى هذه الحفلة بأغنية ردوا السلام، وبعدها توالت ألحانه لى التى تنوعت بين الرومانسى والوطنى والشعبى، وأن يكتشف الجمل التى تتماشى مع صوت به لمحة أوبرالية، حتى يكون لى خط مميز ومختلف عن عمالقة الطرب فى هذا الحين، ومنهم فايزة أحمد ووردة وشادية وحليم، ونجاة وغيرهم».
تشير عفاف راضى إلى أن الإذاعة احتفت بها كصوت جديد، كما أن الأغانى التى كانت تقدم فى حفلة عبدالحليم حافظ كان يتم تكرارها كثيرًا فى الإذاعة وتحظى باهتمام كبير فكان لهذه البداية القوية دور كبير فى شهرتها، وبعد ذلك تبنتها شركة صوت الفن التى كان يمتلكها عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب، وفى منتصف السبعينات أنتجت لها فيلم «مولد يادنيا» الذى قدمت فيه عفاف راضى مجموعة من أجمل الأغانى وحقق الفيلم نجاحًا مدويًا.
الرحبانية ومولد يادنيا
حصلت عفاف راضى على البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ثم حصلت على الماجيستير والدكتوراه من أكاديمية الفنون.
وعن عدم تكرارها لتجربة تقديم فيلم غنائى رغم النجاح الكبير لفيلمها «مولد يا دنيا»، قالت عفاف راضى «تجربة مولد يا دنيا لم تتكرر لأن النجاح الكبير ساعات بيخلى الواحد يتلخبط، وبعد هذه التجربة اتعرض علىَّ أعمالا سينمائية كثيرة لكن لم أجد نفس المستوى، فلم أكرر التجربة، ولكنى شاركت فى المسرح الغنائى وعملت 13 مسرحية منها 3 مسرحيات للأطفال، وقدمت حفلات كمغنية أوبرا ومنها «الأرملة الطروب»، كما قدمت مسرحا سياسيا منذ بداياتى، ومنها مسرحية «ياسين ولدى»، بعد نجاح أغنية رودا السلام، وكان بليغ حمدى يقود الأوركسترا كل يوم بنفسه لأنه كان بيحب المسرح جدًا، كما قمت ببطولة مسرحية لن تسقط القدس مع نور الشريف ومسرحيات وطنى عكا، دنيا البيانولا، على فين يا دوسة، نسمة سلام، جحا، آه يا غجر».
كما قدمت عفاف راضى النسخة المصرية من مسرحية الشخص للرحباينة، والتى سبق وقدمتها فيروز، وعن هذه التجربة قالت الفنانة الكبيرة «كان هذا هو التعاون الوحيد مع الرحبانية، وقدموا هذه المسرحية لأنه كان هناك منتج، فالإنتاج للمسرح الغنائى مكلف جدا، يحتاج أوركسترا وراقصين واستعراضات وتسجيلات.
وأشارت عفاف راضى، إلى أنها قدمت مسلسلات كثيرة فى الإذاعة ومنها مسلسل «حبى أنا» الذى شاركها البطولة فيه الملحن الكبير بليغ حمدى، وكانت المرة الأولى التى يخوض فيها تجربة التمثيل وربما الوحيدة، كما قدمت مسلسلا واحدا للتليفزيون وهو مسلسل «زمن الحلم الضائع».
«لم أشعر بأى حرب فى الوسط الفنى، خلال الفترة التى عملت فيها وسط عمالقة الفن، ولم تكن لى صداقات كثيرة من الوسط الفنى، فكنت أخلص شغلى وأرجع البيت»..هكذا تحدثت عفاف راضى عن الوسط الفنى فى زمن عمالقة الفن.
وتابعت «كنت أرى حليم فى كواليس الحفلات يأخذ علاجه لأنه كان بيتعب وبيعانى من المرض، وله صورة شهيرة وأنا إلى جواره وهو يضع التنفس فى كواليس إحدى الحفلات، حيث جمعتنا حفلات كثيرة داخل وخارج مصر، وبعد هذا الجيل تعاونت مع مطربين كثيرين من الجيل التالى وقدمت معهم دويتوهات، ومنهم محمد رشدى، هانى شاكر، على الحجار، محمد الحلو فى أغانى وطنية وهانى شاكر ومحمد رشدى، وكان هناك مشروع سينمائى لم يكتمل مع شقيقى منير راضى، كما كان هناك أفكار كثيرة لم تكتمل، وخلال السنوات الأخيرة عملت حاجات فرادى مثل إعلان القلب وتترات بعض المسلسلات ولكن عندى طاقة أكبر بكثير».
المهرجانات وفوضى الغناء
وعن عزلتها قالت «أنا لست منعزلة وفى الفترة الأولى كانت تربطنى صداقات بحكم الشغل مع منير مراد والموجى وبليغ، كنا بنتقابل كثير وتجمعنا جلسات عمل طويلة وكانوا عشرة وأصدقاء إلى جانب علاقة الفن، لكن دلوقت لا أعرف أغلب الموجودين، ولى صداقات من خارج الوسط الفنى».
وعن الأصوات التى تعجبها حاليًا، قالت «مااقدرش أحدد أصوات معينة لكن أقدر أقول بصفة عامة إن فيهم أصوات حلوة لكن الأصوات الوحشة أكثر، لأن أى حد دلوقت بقى سهل يمتهن الغناء الذى أصبح مهنة من لا مهنة له، قبل كدة مكانش حد يستجرى يغنى دون امتحانات، وكان اختبار الإذاعة صعب جدًا ويجب أن يكون الصوت متميزًا حتى يجتازه، ولذلك كانت الأصوات عليها القيمة، دلوقت أى حد معاه قرشين يقدر يصرف ويعمل أغنية وينزلها على اليوتيوب وتفرقع».
تتطرق إلى الحديث عن أغانى المهرجانات، قائلة «باسمعها بالصدفة، ولا أعتبرها غناء ولكنها مجرد ناس عاوزة تفرفش وترقص، تتكلم وتسمع فى نفس الوقت، رقص وطبل مجرد هيصة بترن لحد ما تخلص وبعد شوية تترمى وتنتهى».
تقضى المطربة الكبيرة أغلب أوقاتها مع أفراد أسرتها وتتحدث عن طبيعة يومها، قائلة «أنا عايشة فى وسط عيلتى واخواتى ومع بنتى، باروح المعهد مرتين فى الأسبوع حيث أقوم بالتدريس فى الكونسرفتوار بعد حصولى على الماجيستير والدكتوراه، وبنتى بتغنى ألوانا مختلفة من الغناء الأوبرالى باللغة الإنجليزية وهى صوت جيد وبتغنى شرقى بسيط لكن فى الفترة الجاية ناوية تركز فى الشرقى».
وتفسر عدم ظهورها فى مهرجان الموسيقى العربية الأخير بأنها كانت خلال هذه الفترة فى سوريا.
وفى نهاية حديثها قدمت الفنانة الكبيرة عفاف راضى وعدًا لجمهورها بالعودة قريبًا، قائلة «أنا ناوية فى الفترة الجاية أعمل حفلات وأطلع فى البرامج، واستأنف نشاطى».