ملامح رقيقة هادئة وقصة شعر قصيرة غير ملفتة، على إيقاعات شرقية، انطلقت الراقصة والتى كانت ترفض تسميتها بالفنانة، زينات علوى، نحو النجومية فى مصر، زينات والمولودة فى يوم 19 مايو عام 1930 الذى تحل ذكراه غدا، فى الإسكندرية.
حياة مليئة بـ"طيبة والجدعنة" حسب حديث المقربون من زينات، عاشتها، وبعكس العديد من الراقصات كان لزينات مواقف جدعنة عديدة وتحفظ شديد بدت به طوال الوقت؛ رغم كونها عاشت طفولة قاسية وصعبة وهربت بسبب أبيها إلى القاهرة. لقبت زينات علوى بـ"زينات قلب الأسد" فى الوسط الفنى لانضباطها وإلتزامها طوال حياتها، بمجرد أن تنتهى من رقصتها تطير لغرفتها ومنها لمنزلها، وهذا التفرد جعلها راقصة الأمراء والملوك والهوانم قبل يوليو 1952.
شتركت فى 41 فيلما سينمائيا، منها "أشجع رجل فى العالم، وأدهم الشرقاوى، والزوجة 13، وكرامة زوجتى، والعقل والمال، وودعت حبك، وريا وسكينة، وشباك حبيبى، وهذا هو الحب، وإسماعيل يس فى الإسطول، وفاعل خير، والعائلة الكريمة، وسوق السلاح".
كادت أن تتعرض للسجن بسبب ضربها لشخص أجنبى اعتدى على راقصة فى الملهى الليلى الذى تعمل به، وكاد أن يتسبب ذلك الأمر فى أزمة دبلوماسية لولا احتواء الموقف وتقدم السفير بالاعتذار بعد معرفته بحقيقة الأمر.
الكاتب أنيس منصور قال عنها فى مقاله: "من الذى لا يحترم كاريوكا وزينات" فى صحيفة "الشرق الأوسط" "كان لها مواقفها النبيلة مع عدد من الصحفيين والكتاب الذين فصلهم عبد الناصر، أنا مثلا، رأيتها تزور الشاعر كامل الشناوي، فلما وجدته نائما ظلت جالسة حتى نهض من فراشه، وكان يسهر الليل وينام النهار، وهددت بأن تلقى بنفسها من النافذة إن لم يأخذ مبلغا من المال، وكان بضعة آلاف، واعتذر كامل الشناوي، وفوجئنا بأنها فعلا تريد أن ترمى نفسها من الشباك، ثم قبلتنا والدموع فى عينيها".
سعت علوى فى إحدى المرات بسبب ما تتعرض له الراقصات فى ذلك الوقت من ظلم واضطهاد ومطاردة مستمرة من شرطة الآداب دون وجه حق ومن معاملة الدولة العنيفة للراقصات، لإنشاء نقابة للراقصات تحمى حقوقهن، وكونت تحالفا ضخما للضغط على وزارة الثقافة لتنفيذها، ورغم الجهود التى بذلتها مع الراقصات الشهيرات تحية كاريوكا ونجوى فؤاد، وسهير زكي، وسامية جمال، وزيزى مصطفى، وسوزى خيرى، ورجاء يوسف، إلا أن المفاجأة كانت قاسية على الجميع، حيث تقرر تفعيل القرار الخاص بالرقابة على المصنفات الفنية وتشديده.
وكان القرار ينص على أنه حتى تحصل الراقصة على تصريح، يجب "ألا تكون من أرباب السوابق، وحسنة السير والسلوك، وأن تثبت مزاولتها للرقص بصورة واضحة، وأن تحصل على تصريح بكل رقصة تؤديها من رقابة المصنفات، ومن يخالف ذلك يسجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على 6 أشهر وغرامة قدرها 50 جنيهاً ولا تزيد على 100 جنيه".
وجاء فيه أيضًا: "لا تعاقب الراقصة المخالفة للقانون فقط، بل ومدير المكان الذي تعمل به حيث يخضع لنفس العقوبة إلى جانب إغلاق المكان"، وهكذا أصبح الجو خانقاً وكأن الوزارة أرادت معاقبة كل الراقصات على مجرد تفكيرهن في إنشاء نقابة تقوم بحمايتهن، واعتراضا على ذلك، اعتزلت للمرة الأولى في نوفمبر 1965، وبعد شهور من الاعتزال تعرضت زينات إلى ضائقة مالية جعلتها تعود للرقص.
بعد عودتها مرة ثانية للفن، كادت أن تتعرض للسجن بسبب واقعة شهيرة، حين أحالتها نيابة مصر القديمة للمحاكمة بتهمة ضرب شخص أجنبي، لأنه حاول الاعتداء بالضرب على راقصة تعمل فى الملهى الليلى الذى كانت تقدم به فقراتها اليومية، وحين توجهت إليهما لمعرفة سبب ما يحدث، فقال لها بغضب: "أنت مجرد راقصة وفتاحة قزايز.. ابعدى وإلا هاعملك مشاكل كثيرة".
ضربته علوى وحطمت أسنانه وأصيب بعدة كدمات وكسور عنيفة، حضرت الشرطة واتهمها السائح بضربه والتحريض على إيذائه، وكاد الأمر يتسبب فى توتر العلاقات بين مصر ودولة ذلك الشخص الذى تدخلت سفارته على الفور، وما إن علم السفير أن من قامت بضربه هى الراقصة زينات علوى حتى توجه لها على الفور باعتذار رسمى تقديرا لمكانتها الفنية.
رغم ما عاشته فى نهاية حياتها من فقر ومرض إلا أنها رفضت تلقى المساعدة من أحد كما رفضت تقديم طلب للرئيس السادات، لعلاجها على نفقة الدولةو فى 16 يوليو 1988، وبعد اعتزالها بأكثر من 20 عاما، وجد جثمانها بعد وفاتها بمنزلها، وظلت 3 أيام متوفية دون أن يشعر بها أحد، حتى اكتشفت موتها خادمتها، التى رفضت أن تتركها رغم مرور علوى بضائقة مالية، وأكد تقرير الطب الشرعى أنها توفيت بأزمة قلبية حادة ولم يحضر جنازتها سوى الفنانة الراحلة تحية كاريوكا، وفيفى عبده التى تقربت منها فى أيامها الأخيرة.