كالنسيم الجميل وقطرات الندى يسرى صوته وكأنه يحمل نور الصباح مغازلا جمال الكون ومرددا "يا حلو صبح يا حلو طل..يا حلو صبح نهارنا فل"، يتغزل فى السمروات صاحبات الجمال والدلال بخفة ظل قائلا: "أبو سمرة السكرة..أبو ضحكة منورة"، وطالبا الود والحب بطريقة أولاد البلد متشبعا برائحة الشوارع والمقاهى والبيوت مناديا: "يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبى هدية"، وحين يغضب منه الحبيب يطلب الصلح والسماح قائلا: "سماح يا أهل السماح"، وفى الأحداث الوطنية يجسد صوت الشارع والمواطن البسيط، وهكذا فعل حين غنى لثورة يوليو: "عالدوار عالدوار، وحدة ما يغلبها غلاب".
هكذا يحمل صوت الفنان الكبير والمطرب الراحل محمد قنديل، الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم الموافق 11 مارس من عام 1929 ملامح أولاد البلد، وخفة ظلهم ويعبر عن مشاعرهم وطريقتهم.
صوته المميز جعله يشق له مكانا ومكانة فى زمن العمالقة ويخلق له لونا خاصا يميزه عن غيره، وهو الصوت الذى صنفه الكثيرون ضمن أحد أقوى وأجمل الأصوات المصرية، ومنهم كوكب الشرق أم كلثوم التى لم تجد مطربًا يغنى بدلا منها عندما دعاها ملك المغرب للغناء هناك سوى محمد قنديل، بعد أن اعتذرت بسبب ظروفها الصحية، كما قال عنه عبد الحليم حافظ إنه المطرب الوحيد الذى لا يخدع الأذن، لأن قدراته الغنائية تصل إلى 1000%، ووصفه فريد الأطرش بأنه جوهرة ثمينة يجب الحفاظ عليها وحمايتها؛ لأنه يتمتع بحنجرة صوتية لا يمتلكها أحد غيره.
ولحّن قنديل عددا من أغانيه ومنها أبو سمرة السكرة التى حققت نجاحا كبيرا، كما غنى من ألحان الموجى وكمال الطويل ومحمود الشريف ومحمد فوزى وأحمد صدقى، ولكنه لم يغنِّ مطلقا من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
وكان للفنان محمد قنديل رأى فى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب صرح به فى حوار نادر أجرته معه مجلة الكواكب عام 1958، حيث قال: "عبد الوهاب فنان كبير، ولكنه فنان كبير لنفسه وليس للفن، فهو ليس فنانا لوجه الفن وحقه عليه، إنه أنانى لا يطلب المجد إلا لنفسه، ولنفسه فقط".
وتابع قنديل: "صدقونى لو وضع عبد الوهاب إمكانياته وخبراته بين يدى الفن ولم يحتكرها لنفسه لكان غير ما هو عليه الآن، إنه يخاف على عرشه ويخشى حتى من أعماله الكبيرة التى يقدمها لغيره، فسرعان ما يختطفها، ويترك الغير يترنح ويهوى ويبقى هو يشاهد المأساة فى ابتسامة ماكرة".
وخلال هذا الحوار النادر كشف قنديل أن العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ غنى أغنيته الشهيرة " يارايحين الغورية" ولكنها لم تنجح بصوته قائلا:" بعد أن غنيت أغنية يارايحين الغورية لكمال الطويل ونجحت بصوتى، أرادت شركة كايروفون أن تسجلها على أسطواناتها وعرضت على مبلغ 50 جنيها ولكنى رفضت، فما كان من كمال الطويل إلا أن ذهب للشركة وعرض عليها تسجيل اللحن بصوت عبد الحليم حافظ بنفس المبلغ المعروض، ووافقت الشركة وسجل عبد الحليم الأغنية بصوته".
وأوضح قنديل: "بعدها ذهبت إلى الشركة وعرضت عليها تسجيل الأسطوانة مجانا، ورحبت الشركة؛ لأن الأسطوانات التى سجلتها بصوت عبد الحليم لم تجد رواجاً فى السوق".