تاريخ الأغنية العربية مليء بالمواقف الطريفة التي تؤكد وجود دور آخر للأغنية غير امتاع المستمع، حيث سعت العديد من الجهات السياسية لاستخدام الأغنيات العاطفية لتوجيه رسائل خاصة لخصومها، أو للاستهانة بهم في كثير من الأحيان.
البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي
من أشهر المواقف التي استخدمت فيها الأغنيات العاطفية لتوجيه رسائل سياسية حادة كان حرص هيئة الإذاعة البريطانية بعد أزمة تأميم قناة السويس الشهيرة، على بث أغنية "البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي" للفنانة رجاء عبده، وكذلك أغنية "شي يا بتاع البوسطة" للفنان إسماعيل ياسين، وذلك نكاية وكيدًا في الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لتذكره دوما بأصله المتواضع وبأن والده كان مجرد موظف بسيط في مصلحة البريد.
بياع كلام
نكاية عبد الناصر لم تتوقف على هيئة الإذاعة البريطانية فقط، لكنها امتدت لبعض الدول العربية. حيث تم استخدام أغنية "بياع كلام" للشحرورة صباح من قبل حزب البعث العراقي، الذي كان يحرص على إذاعتها بعد كل خطاب يلقيه الزعيم جمال عبد الناصر، في محاولة منهم لتوصيل رسالة للعالم العربي بأن عبد الناصر يتكلم ولا يفعل شيئا.
وهو نفس الشيء الذي فعله صدام حسين بعد أن تزعم جبهة الصمود والتصدي مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث كان يأمر بإذاعة نفس الأغنية عقب كل خطاب يلقيه السادات، خصوصا بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.
تك تك تك يا أم سليمان .. تك تك تك زوجك وين كان
وعلى ما يبدو من أن الإذاعة العراقية انتهجت تلك السياسة مع كل خصوم العراق السياسيون. فلم يتوقف الأمر عند الرئيسين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، لكنها اتبعته أيضا مع الرئيس السوري حافظ الأسد. فلقد كانت أغنية "تك تك تك يا أم سليمان.. تك تك تك زوجك وين كان" لتضايق الرئيس السوري الذي يُكنى بأبي سليمان.
يا مصطفى يا مصطفى
يختلف الوضع قليلاً مع أغنية "يا مصطفى يا مصطفى" التي غناها المطرب "بوب عزام".. ففكرة "التلقيح" السياسي لم تخطر ببال صانعيها، لكنها جالت وصالت ببال القائمين على الرقابة في تلك الفترة. حيث فسرتها اللجنة بأنها تلمح لعصر ما قبل الثورة وتؤكد اشتياق الجماهير له، فقال التقرير وقتها أن "الزعيم مصطفى النحاس" هو المقصود بمصطفى يا مصطفى، أما "سبع سنين في العطارين" فالمقصود بها مرور سبع سنوات على إسقاط الملكية وقيام جمهورية مثر العربية، حيث تم انتاج الأغنية في عام 1959. لذلك اعتبرتها اللجنة الموقرة "تلقيح" سياسي غير مقبول على ثورة يوليو المجيدة.