وكأنه كان يعلم أنه لن يكون له ميراث فى الدنيا سوى فنه وإبداعه، فلم يشغله سوى الفن ولم يهتم بأن يترك مالاً، كان يعرف أنه ضيف استثنائى فى هذه الدنيا فغادرها دون أن يكون له فيها زوجة أو بيتا، حتى أنه لم يعد له فيها ولد بعد وفاة ابنه الوحيد هيثم، ولكن ترك العبقرى أحمد زكى فى الدنيا فنا وحياة وإبداعا وحبا وجماهيرية ستبقى إلى الأبد.
غادر الضيف الجميل دنيانا فى مثل هذا اليوم الموافق 27 مارس 2005، وهو لا يمتلك إلا 130 جنيهًا، بعدما تصدق بمعظم أجره عن فيلم "العندليب" لعلاج فنان شاب أُصيب بنفس المرض، كما دفع نفقات العُمرة لثلاثة موظفين فى المستشفى، ورحل "الإمبراطور" تاركًا وراءه كنوزا من الحب والفن والإبداع.
كان أحمد زكى يعرف أنه سيموت بسيطاً فقيراً وتنبأ بذلك قبل وفاته بأكثر من 5 سنوات حين أجرى حواراً لمجلة الموعد فى عام 2000 أثناء إعداد فيلم "أيام السادات" الذى أنتجه وأنفق كل ما يملك حتى يخرج للنور، حتى أنه رهن مكتبه وبيته وضحى ببطولة 5 أفلام كان يمكن أن تدر عليه أرباحاً كبيرة، وكنه كان دائما يبحث عن الأصعب، عن الفن الذى يبقى ويخلد.
وفى حواره لمجلة الموعد قال النمر الأسود أنه رأى نجوما فى الفن حققوا ثروات وكسبوا أموالاً كثيرة وبنوا عمارات، ورأى غيرهم عاشوا للفن وانتهت حياتهم فى مستشفى القصر العينى، وأوضح قائلا: "أنا حللتها مع نفسى ووجدت أننى من النوع الثانى بتاع القصر العينى لأنى لا اهتم مطلقا بالفوس وأول مرة أهتم بها عندما فكرت فى الإنتاج"، مؤكدا أنه حتى عندما حقق فيلم ناصر 56 نجاحا كبيرا وإيرادات عالية لم يحصل على شىء، ولكنه شعر بالفرح لأن مكسبه الحقيقى أكبر من الأموال.
وتحدث أحمد زكى خلال الحوار عن تفاصيل لقائه بالسيدة جيهان السادات أثناء الإعداد لفيلم "أيام السادات"، مشيرا إلى أنها أعجبت بالسيناريو وقالت إنه ليس به أى خطأ، وأنه سألها عن المسألة التى حيرته وأغضبته من الرئيس السادات وهى قضية اعتقالات سبتمبر، فكانت إجابة حرم السادات أنها لم تكن اعتقالات، ولكن كان الهدف منها إبعاد معارضى السلام قبل استلام سيناء بيومين حتى لا تحدث "شوشرة" ويقول الإسرائيليون إن المصريين رافضون فنفقد الأرض.
وأشار النمر الأسود إلى أن جيهان السادات قالت له إنها سألت الرئيس الراحل نفس السؤال، وكان هذا التفسير هو ماقاله بالضبط، ومن هنا فهم القصة وكان تصوير الفيلم فى بيت السادات نفسه.