المخرج الكبير سمير العصفورى ولد فى الثلاثينات بمحافظة بورسعيد، تخرج من المعهد العالى للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، وأخرج العديد من المسرحيات التى أثرت فى المشاهدين ولاقت نجاحا كبيرا، مثل "إنها حقا عائلة محترمة، كدا أوكيه، العيال كبرت، حزمنى يا"، كما شارك كممثل فى العديد من المسلسلات التلفزيونية وفى حوار خاص لـ"عين" كشف المخرج الكبير سمير العصفورى عن ذكرياته المسرحية، وسبب بعده عن الإخراج المسرحى لفترة كبيرة، والمزيد من التفاصيل الأخرى، وإليكم الحوار..
ما سبب غيابك عن الإخراج المسرحى منذ عام 2008؟
فى الحقيقة منذ أحداث ثورة يناير والجو العام للمسرح المصرى يسوده نوع من أنواع الاضطراب، فهناك اضطراب كبير فى البنية المسرحية والبنية الثقافية، فالحرية المطلقة صنعت الفوضى، فوجئنا بوجود نجوم على الساحة الفنية كل علاقتهم بالفن أنهم قدموا أغنية فى الميدان أثناء الثورة ولكنهم استطاعوا أن يجتاحوا الميديا والإعلانات والمسلسلات، استطاعت اللغة العامية أن تزيح اللغة الخاصة بالمثقفين بقوة، أصبح هناك فوضى عارمة، ظهرت البرامج والإسكتشات على قنوات التلفزيون والتى حلت محل المسرح ولكنها دمرت جزءا محكما من الأشكال الثقافية، فمسرح الدولة إنتاجه أصبح ضعيف جدا، أما المسرح الخاص فأعتقد أنه انتهى منذ آخر ستار أسدل لعادل إمام، فعندها أدرك عادل إمام أنه فى حالة فوضى، واحتراما لذاته قرر البقاء فى البيت أو الذهاب للتلفزيون، كما حدث ركود كبير فى السياحة العربية والتى كانت تمثل 75% من تنمية المسرح الخاص، حتى الاحتفاء بالمسرح عن طريق المقالات النقدية أختفى، فالنقاد أصابهم شيء من الملل، وبسبب البرامج التلفزيونية وتضخم عدد المسلسلات والإعلام وفروا على الجمهور النزول، فهم يستطيعون أن يشاهدوا كل عروض العالم وهم أمام التلفاز، كل هذه الأسباب تجعلنى أشعر بالرعب من خوض أى تجربة مسرحية جديدة، فمن الصعب أن تحقق فريق عمل حسب الخطة الموسيقية للعمل المسرحى، فكل هذا تفكير وإرهاق عندما أنوى الخوض فى أى تجربة عندها أقوم بالمقارنة بين آخر عمل مسرحى قدمته والمشروع الجديد فلا أجد قرار سوى التراجع.
كيف اختلف فن اليوم عن زمنكم؟ وهل بالفعل نعيش فى زمن الفن الردىء؟
زمننا كان زمن الفن الجميل، كانوا فيه حرصين على تقديم الثقافة العربية والهوية المصرية، وكانوا يقوموا بتعريف الناس من هم إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وغيرهم من العظماء، وكان كبار الفنانين متفرغين للفن فقط، ويقدموا كل ما هو راقى، أما فى هذا الزمن كل الموضوعات المعروضة لا تعنى المشاهد ولا تخصهم، وما يعرض على شاشات التلفزيون لا يشبه أحد، وما هو إلا فوضى وعنف وصراع كل هذه الأشياء المعروضة تدمر العلاقة بين المنتج الفنى والمشاهد، فلو سألنا أحد المشاهدين الكبار فى السن عن أفضل ما يعرض هذه الأيام، لا تجد إجابة، فهو قد تربى على ثقافة منضبطة تربوا على الكوميديا من سمير غانم وعادل إمام وفؤاد المهندس، تربوا على فريد شوقى وفاتن حمامة، لكن النماذج البلهاء الموجودة حاليا تمارس حالة من الفن الغريب والعنف الإجرامى والفتونة، كل هذا يجعلك تعجز عن تحديد الفن الجيد، وهذا لا ينفى وجود بعض الفنانين الحقيقين الذين يقدموا عملا فنيا مناسبا للحظة الراهنة ويبذلون جهدا كبيرا للوصول إليه.
فى الفترة الأخيرة شاركت فى العديد من المسلسلات التلفزيونية، ما الذى دفعك إلى ذلك؟
عندما بدأ المسرح فى الانقراض والضعف، استرجعت ذكرياتى طيلة السنوات الماضية، وكيف كان النجاح حليفى، وهذا النجاح لم أكن أنا السبب فيه فقط، بل شارك فيه أطقم العمل من الفنانين البارعين والمثقفين، وكذلك الجمهور المتذوق الذى يمتلك وعيا كبيرا وعاشقا للفن المسرحى، وعندما جاءتنى بعض الدعوات للعمل فى بعض الأعمال الدرامية، ووجدت أن هذه الأدوار فيها إشباع فنى وتعويض عن فقد اللحظة، ووجدتنى سأكون وسط فنانين كبار، لم أتردد فى الذهاب لتلك الأعمال بخبرتى المسرحية ودراستى لفن التمثيل دراسة وافية، فمن حقى الاندماج فى إطار العمل تعويضا للبطالة التى تصيب المسرحيين بلا نجاة، والتى تكمن سببها فى قلة الميزانيات المسرحية وقلة خشبات المسارح وبطئ الموسم المسرحى.
فى إحدى لقاءاتك التلفزيونية قلت إن المسرحية عبارة عن نوته موسيقية، وتحدثت عن أهمية الموسيقى فى العمل المسرحي، فكيف ترى ذلك؟
الموسيقى نظام لها مقامات ونوته موسيقية ولها إيقاع، والمسرح أيضا كذلك نظام وإيقاع فى التمثيل، حتى الارتجال فى المسرح يشبه الارتجال فى الموسيقى ولا أعنى بالارتجال الخروج على النوتة الموسيقية بل عمل ارتجال بانضباط ودقة وشكل راقي، فالمسرح نظام به قدر من الحرية ولكنه ليس فوضوي، ولكن عندما نرى فوضى وعدم التزام بالنص المسرحى وكل ممثل يقول ما يحلو له هنا يسمى الخروج عن النوتة المتفق عليها، فإذا دخل الجمهور قاعة العرض وهى فى حالة من الانضباط ستغمره السعادة والامتزاج، فحتى الاتهام الذى كان يوجه لمسرح القطاع الخاص أنه فوضوى أو غير ذلك، فسنجد أنه بالرغم من أنه مسرح تجارى، إلا أن جميع الأعمال التى قدمت من قبل بما فى ذلك أعمالى هى أعمال منضبطة هدفها إطلاق حالة من السعادة للجمهور الذى يريد الترفيه، والترفيه من وجهة نظرى دور من أدوار المسرح، والموسيقى عنصر هام فى قيادة العمل المسرحى لذا وجب فيه التخصص الدقيق فى العمل الموسيقى والذى يماثل التخصص الدقيق فى العمل المسرحي.
قدمت العديد من العروض المسرحية الناجحة، ما أقربها إلى قلبك؟
بالتأكيد كل الأعمال قريبة إلى قلبى، وهم بمثابة أبنائى، وعن أفضل عمل مسرحى كنت أترك الرأى للجمهور وليس لي، فنحن صناع العمل مثلنا مثل البوسطجى الذى يقوم بتوصيل رسالة ما، فالجمهور هو صاحب الحق الحقيقى للإدلاء برأيه، وفى الحقيقة الجمهور منشق فى رأيه عن أهم أعمالى فمنهم من يرى أن أفضل أعمالى بالقطاع الخاص مسرحية "كدا أوكيه" لأحمد السقا ومنى زكى وشريف منير، وأعتقد أن هذا رأى الجيل الصغير، والأكبر سنا يرى أن مسرحية "إنها حقا عائلة محترمة" لفؤاد المهندس هى الأفضل، وهناك فئة من الجمهور ترى أن "حزمنى يا" لفيفى عبده هى الأفضل أيضا، أما بالنسبة للقطاع العام فيروا أن أفضل ما قدمت مسرحيات "مأساة الحلاج "، و"العسل عسل والبصل بصل"، والست هدى أحمد شوقى بيه".