كهرم شامخ لم يتأثر بالعواصف ورياح التغيير وظل محتفظا بقوته وبهائه ومبادئه طوال الوقت، رسم طريقه منذ بداياته الأولى وسار عليه ولم يحيد عنه، فاستطاع أن يكون مميزا بين أبناء جيله وأن يجد له مكانا على عرش الغناء لا يحتله غيره.
حين تنظر إلى كل ما أحاط بنا من إسفاف وما أصاب الفن والطرب من أمراض وتتحسر على زمن الفن الجميل يكفى أن تذكر اسم على الحجار، لتطمئن وتدرك أنه كمن ركب سفينة نوح فنجا من طوفان الإسفاف، حاملا معه فنا وطربا شكل وجدان الملايين واستطاع أن يكمل مسيرة عظماء الطرب السابقون.
منذ بدأ حياته الفنية لم يعرف على الحجار- الذى يحتفل اليوم بعيد ميلاده- التنازل ولم يفرط فى فنه، حمل كثيرا من صفات والده الفنان الكبير إبراهيم الحجار، الذى رفض أن يغير اسمه ولقب عائلته "الحجار" ودفع ثمن رفضه بالاستغناء عنه كمطرب بالإذاعة، فتعلم الابن أول درس فى التمسك بمبادئه والحرص على اسمه وفنه مهما كان الثمن.
على الحجار ابن الطبقة المتوسطة المكافحة الذى عاش مع أسرته معاناة هذه الطبقة، تعلم هو وشقيقه أحمد الحجار أصول الطرب والفن من والدههما الذى علم ودرب عددا من المطربين الذين أصبحوا نجوما دون مقابل، لأنه رأى أن ما يفعله رسالة إنسانية لتخريج جيل من المطربين الذين يحترمون الفن ويعرفون أصوله، وهكذا تربى على الحجار على أن فنه رسالة يجب أن يحافظ عليها ويحترمها، كان الأب يرى ضرورة أن يتدرب المطرب فى بداياته على أغانى الطرب الأصيل والموشحات القديمة وكأنه رياضى يتدرب على حمل الأثقال فينبت قويا، وهكذا نبت ونشأ على الحجار.
التحق على الحجار بكلية التجارة ولكنه لم يكمل دراسته بها والتحق بكلية الفنون الجميلة لأنه يهوى الرسم.
وأثناء دراسته التحق هو وشقيقه أحمد بفرقة التخت العربى لإحياء التراث وظهر فى عدد من البرامج ومنها برنامج النادى الدولى مع الفنان سمير صبرى، وعلى الناصية مع آمال فهمى، وبرنامج الموسيقى العربية مع الدكتور رتيبة الحفنى، حيث استمع له الملحن العبقرى بليغ حمدى وأعجب بصوته، وكانت البداية القوية بأغنية على قد ما حبينا عام 1977.
بدأ على الحجار مشواره قويا مختلفا متميزا، واستمر على هذا النهج، صنع لونا وفنا خاصا به، جاء بعد رحيل حليم وجيل العمالقة فسد فراغا كبيرا وتألق وحافظ على فنه من موجة الإسفاف والابتذال، تعاون مع جيل العمالقة من الملحنين والشعراء، وحرص أيضا على التعاون مع الأجيال الجديدة من الموهوبين، فغنى من ألحان بليغ حمدى والموجى وسيد مكاوى وعمار الشريعى وأحمد الحجار وياسر عبدالرحمن وأشعار الأبنودى وصلاح جاهين وسيد حجاب وعبد الرحيم منصور وجمال بخيت وإبراهيم عبد الفتاح، طوال مشواره يبحث عن الفن الراقى واللحن المميز والكلمات الصادقة، فأصبح مدرسة ولونا مميزا لا يشبه أحداً، حقق حلمه بغناء رباعيات جاهين بعدما تحمس وانبهر جاهين وسيد مكاوى بصوته، وعبر عن الحب والوجع والفرح والقوة والضعف والشجن وعشق الوطن.
لم يتنازل على الحجار ولم يحيد عن الطريق كغيره من أبناء جيله ومنهم من بدأ معه بدايات قوية مبشرة ولكنهم ضلوا الطريق وانشغلوا عن الفن بأشياء أخرى أو لم يمنحوه نفس الاهتمام والتركيز، وظل الحجار واثق الخطوة يعرف طريقه الذى رسمه لنفسه فحافظ على درجة الابداع والوهج الفنى طوال مشواره الذى امتد أكثر من 40 عاماً، وأبدع فى كل ماقدم من أغانى دينية وعاطفية ودينية، فلم يخذل جمهوره الذى عشق فنه، ولم يكن غريباً أن يستحق عن جدارة الفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب فى مجال الطرب العربى فى دورتها الثامنة لعام 2019 ضمن 28 متسابقا من أشهر مطربى الوطن العربى، فكان أول مطرب يحصل على هذه الجائزة منذ إطلاقها عام 2011.
"أعذرينى، عارفة، إوعدينى، ولد وبنت، لحظة ممكنة، أنا كنت عيدك، عنوان بيتنا، هنا القاهرة، فى قلب الليل، لما الشتا يدق البيبان، انكسر جوانا شيئ، صلينا الفجر فين، من غير ما تتكلمى، مكتوبالى" وغيرها مئات الأعمال التى نقش بها على الحجار اسمه فى وجدان الملايين.
ورغم أنه لم يشارك بالتمثيل إلا فى أعمال قليلة، حيث شارك فى عدد من الأفلام ومنها "المغنواتى، أنياب، الفتى الشرير"، وقام ببطولة عدد من المسرحيات ومنها: "ليلة من ألف ليلة، منين أجيب ناس، رصاصة فى القلب، سر الهوى، خايف اقول اللى فى قلبى ،يمامة بيضا" كما شارك فى عدد من المسلسلات ومنها رحلة "أبوالعلا البشرى، بوابة الحلوانى"، إلا أن دور على الحجار فى الدراما لا يقتصر على التمثيل، ولكنه منح بصوته عشرات الأعمال الدرامية صك البقاء والخلود، فكان أول من جعل تتر المسلسل معيارا كبيرا لنجاح العمل الدرامى، فمنذ غنى تتر مسلسلات النور فوق يثرب، والنديم، والأيام، أدرك صناع الدراما أهمية تتر المسلسل وأهمية أن يكون بصوت على الحجار، وأدرك المشاهد أن إسمه وصوته على التتر من أهم علامات نجاح المسلسل وقوته، فملك التترات لا يغنى إلا إذا كان العمل قويا يليق بصوته، وهكذا أبدع فى تترات أعظم الأعمال الدرامية " المال والبنون، بوابة الحلوانى، ذئاب الجبل، أبو العلا البشرى، السيرة الهلاليه، اللقا الثانى، غوايش، الشهد والدموع، الرحايا، شيخ العرب همام، الليل وآخره" وغيرها الكثير من التترات التى أصبحت علامات فى تاريخ الدراما، يحفظها الملايين أكثر من أحداث المسلسل ذاته.
ولأنه تربى على أن الفن رسالة كما علمه والده يحرص على الحجار على مساعدة الموهوبين سيرا على نهج أبيه، حيث يقوم بتدريب المواهب الشابة على العزف والغناء، بل ويقدم هذه المواهب الشابة فى حفلاته التى يحضرها الألاف من عشاق صوته ويحصلون فيها على جرعات من الفن الراقى.
ولأنه باق دائماً على العهد واعتاد أن يقدم حفلات شهرية التى لم تنقطع منذ سنوات لم تمنعه ظروف الحظر بسبب أزمة كورونا من لقاء جمهوره، حيث قدم حفل أون لاين للجمهور فى تجربة جديدة أعلن عنها على الحجار مؤكداً أنها ستكون بداية لسلسلة حفلات أون لاين كل أسبوع إلى أن تنتهى الأزمة.
ويبقى دائما على الحجار اسما لا يحتاج إلى لقب أو وصف يسبقه، لا يغير مبادئه ولا تهمه المادة ولا يسعى إليها، ولكنه يحمل رسالة الفن والطرب من جيل العمالقة إلى الأجيال الشابة فينقى ذوقها ويحملها فى زورق النجاة من الإسفاف، على الحجار كل عام وأنت تعيد بفنك "العز الغايب"، كل عام وأنت فارس الطرب الذى ينطبق عليه ما غناه للفارس أبو زيد الهلالى "جاى نفحة من الماضى السعيد..مد الخطا ومد لنا إيد".