رجل شعبى يرتدى جلباب مصرى وفى يده نبوت، مرة تجده يرفع نبوته فى مواجهة مستعمر أجنبى كما صورته بعض كتب التاريخ ومرة تجده يرفع نبوته فى مواجهة الضعفاء يفرض عليهم إتاوات مقابل حمايتهم وبقائهم، وبين هذه الصورة وتلك ظلت شخصية الفتوة نموذجًا وملمحًا مهما فى السينما والدراما المصرية التى تناولت الحارة الشعبية فى مصر القديمة.
فنانون كبار لعبوا دور البلطجى أبرزهم أحمد زكى ومحمود مرسى فى "سعد اليتيم"، وعزت العلايلى وحمدى غيث فى "التوت والنبوت"، فريد شوقى ونور شريف وعادل أدهم فى "الشيطان يعظ"، محمود عبد العزيز فى "الجوع"، ومحمود ياسين وصلاح قابيل فى "الحرافيش"، ونور الشريف فى " المطارد"، لينضم إليهم النجم ياسر جلال الذى يجسد شخصية الفتوة فى مسلسل يحمل نفس الاسم يعرض رمضان المقبل، وظهر جلال خلال البرومو بمواصفات الفتوة الجسدية فهو ذاك الرجل ذات الملامح الحادة وقوى البنية وبالطبع يمسك نبوته، فى عمل ينتظره العديد من متابعى دراما رمضان بعد أن قدم ياسر جلال أوراق اعتماده بطلا خلال الـ3 سنوات الأخيرة.
تاريخيا، سجلت كتب التاريخ الدور الوطنى للفتوات فى مقاومة الحملة الفرنسية على مصر بين عامى 1798 و1801، حتى كان من بينهم من قادوا الشعب المصرى فى ثورته ضد المستعمر الفرنسى، حتى نهض الفتوات وتصدروا جموع الشعب، وواجهوا المستعمر بـ"نبابيتهم"، وأطلق نابليون بونابرت قائد الفرنسيين، عليهم اسم "الحشاشين"، وحذر المصريين من أتباعهم.
وفى فترة الاحتلال الإنجليزى فقد كان لهم دور وطنى أيضا، حيث كانوا يخطفون الجنود الإنجليز ولا يطلقون سراحهم إلا مقابل إفراج المحتل عن عدد من السجناء الوطنيين، كما كانوا يستغلون مكانتهم فى حماية الفدائيين وإخفائهم عن أعين جنود الاحتلال.
تقول الكاتبة ناهد صلاح فى مقدمة كتابها "الفتوة فى السينما المصرية" الصادر عام 2012: "فى هذا الكتاب نحاول أن نقدم نموذج الفتوة، دون أن تربكنا الشعرة الدقيقة بين الفتوة والبلطجى. ونكشف عن الطريقة التى تعاملت بها السينما مع هذا النموذج الذى ترسخت صورته فى الوجدان المصرى فى مرحلة تاريخية ما كمعادل شعبى للحاكم الرسمى، وكحاجة ملحة لضبط ميزان الأمن والأمان فى مجتمع افتقد السلطة العادلة".
تقودنا تلك السطور إلى ملاحظات أهمها، أن الفارق بين الفتوة والبلطجى ليس كبيرا فما هى إلا شعرة صغيرة تفصل بين الاثنين، فهذا أشبه بالحاكم الذى يطبق العدالة الغائبة فى المجتمع وذاك يجمع الإتاوات مقابل حمايتهم.
ولعل أبرز الكتاب الذين قدموا شخصية الفتوة، كاتبنا الكبير وصاحب نوبل "نجيب محفوظ" على يد المخرج نيازى مصطفى عام 1945، فى فيلم «فتوات الحسينية»، وتوالت كتابات «محفوظ» عن الفتوات منها «الحرافيش» التى قدمت حكايات تمثل 10 أجيال متتالية من الفتوات، وتحول بعض تلك القصص إلى أفلام، منها «شهد الملكة» عام 1985، و«الحرافيش» 1986، والفيلمان من إخراج حسام الدين مصطفى، و«المطارد» إخراج سمير سيف 1985، و«التوت والنبوت» إخراج نيازى مصطفى 1986، و«الجوع» إخراج على بدرخان 1986، إضافة لفيلمين عن قصتين قصيرتين «الشيطان يعظ» إخراج أشرف فهمى، و«فتوات بولاق» إخراج يحيى العلمى، إنتاج عام 1981.
تناولت السينما نموذج (الفتوة) فى أغلب الأحيان على أنه بطل شعبى يناصر المظلومين، واتصف بالشرف والنبل والقوة، فى مقابل الفتوات الذين استخدموا قوتهم البدنية وسلطتهم فى الظلم والبطش وفرض الإتاوات على الفقراء والمستضعفين.
ويأتى فريد شوقى على رأس الفنانين الذين قدموا شخصية الفتوة الشرير فى فيلم «فتوات بولاق»، كما كان فيلم «الشيطان يعظ» من الأعمال التى ضمت نماذج سيئة للفتوات، ومن أبرز النماذج فى السينما المصرية شخصية الفتوة حسونة السبع، التى قدمها حمدى غيث فى فيلم «التوت والنبوت»، حيث كان يفرض إتاوات كبيرة على أهل الحى ويبالغ فى اضطهادهم وإذلالهم.
يختلف نقاد ومؤرخو السينما حول أول أفلام الفتوات، إذ يُرجع بعضهم بداية هذه الموجة إلى فيلم (فتوات بولاق) الذى كتب له السيناريو وحيد حامد وأخرجه الراحل يحى العلمي، ويعتبرونه أول الخيط لأفلام الفتوات والحرافيش، قبل أن تتحول إلى ظاهرة سينمائية، وهو مأخوذ عن إحدى قصص مجموعة (أولاد حارتنا)، ودارت أحداثه على خلفية العنف الناجم عن صراع الفتوات على السيطرة على الحارة.
فيما يعتبر البعض الآخر، ومنهم المخرج سمير سيف؛ أن فيلم (فتوات الحسينية) 1954 هو البذرة الأساسية لكل هذه الأعمال الأدبية والسينمائية، وقد كتبه نجيب محفوظ مباشرة للشاشة، وأخرجه نيازى مصطفى، وتضمن العديد من الأفكار والشخصيات والأجواء التى اعتمدت عليها قصص نجيب محفوظ فيما بعد.
وتتفق ناهد صلاح مع المخرج سمير سيف وترى أن فيلم “فتوات الحسينية” الذى أنتج سنة 1954 هو إشارة انطلاق الفتوة فى روايات محفوظ التى كانت تتمحور فى مجملها حول شخصيات تسعى إلى تأسيس قيم العدل والحرية والخلاص والحب والسعادة، وكانت “الحرافيش” أبرز رواية تناولت السيرة الشعبية لفتوات الحارة المصرية وتاريخهم.
الكاتب الروائى يوسف القعيد أوضح الفرق بين الفتوات الذين عبّر عنهم نجيب محفوظ فى أعماله الروائية، وبين البلطجية فى الأعمال الفنية الحالية، قائلاً: «البلطجة هى التى انتشرت فى وقتنا الحالى، وحلت محل عصر الفتونة، ولكن شتان الفارق بينهما، وهناك فرق كبير بين الفتوة والبلطجى، البلطجى كلمة تركية معناها حامل البلطة، والفتوة كان يحترم العادات والتقاليد والقيم فى المجتمع، بعكس البلطجى الذى يغتصب حقوق الناس بقوة السلاح".