رغم أهمية الدراسة وتحصيل العلوم المختلفة إلا أن التفوق الدراسى لا يكون دائما معياراً للعبقرية والنجاح فى الحياة، وكثير من العباقرة إذا بحثنا فى طفولتهم سنجدهم لم يكونوا طلاباً متفوقين، والكثيرون منهم اعترفوا بفشلهم الدراسى.
ومن بين هؤلاء العباقرة الذين اعترفوا بأنهم لم يكونوا متفوقين دراسياً موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكتب ذلك فى مذكراته التى نشرها بمجلة الكواكب عام 1954.
وتحدث موسيقار الأجيال خلال هذه المذكرات عن طفولته مشيرا إلى أن عائلته قدمت من أبو كبير شرقية إلى حى الشعرانى بباب الشعرية وكان والده الشيخ عبدالوهاب محمد وعمه الشيخ محمد أبو عيسى يدرسان بالأزهر ولكن عمه استكمل دراسته حتى حصل على الإجازة بينما لم يكمل والده الدراسة بالأزهر، وكان شيخاً مسجد الشعرانى بباب الشعرية.
وقال محمد عبد الوهاب إنه ولد فى 13 مارس عام 1910 ونشأ فى هذه البيئة الدينية وعندما وصل سن 5 سنوات ألحقه والده للدراسة بكتاب لحى ليلقى مبادئ العلوم، مشيرا إلى أنه كان وقتها الكتاب بمثابة الجامعة فى هذا العهد، وكان الطالب يتلقى فيه دروس اللغة العربية والحساب إضافة إلى حفظ القرآن.
واعترف عبدالوهاب فى مذكراته بأنه كان تلميذاً خاملاً بليداً، خاصة فى مادة الحساب التى كان يكرهها ويشعر أنه لا فائدة من دراستها لأنها تخالف ميوله ومواهبه الفنية المبكرة.
وأكد موسيقار الأجيال أنه كان زبوناً دائماً "للفلكة"، التى كان يستخدمها شيخ الكتاب لعقاب الطلاب الكسالى وكانت بعبع الأطفال فى ذلك الوقت، مشيرا إلى أنه كلما شكا لوالده من قسوة شيخ الكتاب وعقابه له بالضرب على الفلكة زاده والده علقة أخرى، مؤكدا أن شكوى التلميذ من أستاذه فى ذلك الزمان كانت فى حد ذاتها جريمة تستوجب العقاب، وبعدها أصبح يخفى عن والده أنه يتم ضربه باستمرار فى الكتاب حتى لا ينال علقة أخرى.
وأضاف الموسيقار الكبير فى مذكراته أنه رغم قسوة الضرب والعقاب لم يستطع أن يفقه شيئاً فى مادة الحساب ولكنه كان متفوقاً فى القرآن الكريم وحفظه مؤكدا أنه كان يجد فى نفسه تجاوباً كبيراً وهو فى هذه السن الصغيرة مع لغة الله وكلامه.
وأشار إلى أنه كان يهوى فى هذا السن حلقات الذكر التى كنت تقام فى المسجد بعد صلاتى الفجر والعشاء وكان يداوم على حضورها منذ وصل لسن السابعة وحفظها وشارك فيها فكان لها تأثير كبير فى تدعيم حبه للموسيقى والألحان.