رحل فى مثل هذا اليوم الروائى العالمى جابرييل جارثيا ماركيز الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1982 وذلك تقديرًا للقصص القصيرة والرويات التى كتبها، ونال ماركيز العديد من الجوائز والأوسمة طوال مسيرته الأدبية مثل وسام النسر الأزتيك فى عام 1982، وجائزة رومولو جايجوس فى عام 1972، ووسام جوقة الشرف الفرنسية عام 1981 وقد توفى فى مدينة مكسيكو بالمكسيك يوم 17 أبريل 2014 عن عمر ناهز 87 عامًا ونهل من أعماله الأدبية الكثير من صناع السينما والمسرح والمسلسلات وسنستعرض أهم أعماله التى عرفت طريقها للشاشة ولخشبات المسرح.
صحيح أن رواياته مثل "قصة موت معلن" و"الحب فى زمن الكوليرا" حُوّلت إلى أفلام، لكنه كتب بنفسه أيضاً سيناريوهات كثيرة، ووضع كتاباً عن المخرج التشيلى (من أصل فلسطيني) ميجيل ليتين بعنوان "مهمّة سرية فى تشيلي" كما أنه تم اختياره رئيساً للجنة تحكيم "مهرجان كان السينمائي" فى عام 1982، وليس بسبب قيمة أعماله الأدبية وحسب، إنما أيضاً لدوره الفعّال فى تقديم أعمال جميلة للشاشة الفضيّة.
أما عن أشهر أعماله التى حولت للسينما ففى عام 1987 أخرج الإيطالى فرانسيسكو روسى رواية "موت معلن" ومثلها النجمان روبرت أفيريت وارنيلا موتي، وكذلك حولت روايته ليس لدى الكولونيل من يكاتبه إلى شريط سينمائى عام 1999 بواسطة المخرج المكسيكى ارتورو ريبستين، بطولة فرناندو لوجان وسلمى حايك بينما كانت رواية فى ساعة نحس آخر عمل روائى لماركيز يحول إلى السينما عام 2004، أخرجه البرازيلى راى جويرا الذى كان قد أخرج له اولى رواياته وكان ماركيز قد ساهم فى كتابة العديد من سيناريوهات الأفلام فى فترات مختلفة من حياته.
كما قع اختيار كوستاريكا على الفيلم المأخوذ عن رواية ماركيز " عن الحب وشياطين أخرى" لتمثيلها رسميا فى مسابقة الأوسكار 2011 كأفضل فيلم أجنبى غير ناطق بالإنجليزية، وعرض فى أكثر من مهرجان دولى وتتناول الرواية بالتفصيل ظروف التعايش بين عائلة أرستقراطية من المولدين وجمع كبير من الخدم والعبيد ذوى الأصول المتنوعة الهندية والأفريقية ومن خلال التعامل اليومى لتلك الجماعة يكشف «ماركيز» جوانب عديدة من الحياة الاجتماعية خلال فترة الاحتلال الإسباني، والكثير من العادات وتقاليد السكان الهنود الأصليين وذوى الأصول الأفريقية. وينعكس كل ذلك على سلوك أفراد تلك الجماعة المتعايشة فى اللغات المتنوعة التى يتحدثونها وفى الديانات والمعتقدات والشعائر والطقوس التى ورثوها عن قدمائهم.
قصة (زمن الموت) نفسها، التى أبدعها الكاتبان جابرييل جارسيا ماركيز وكارلوس فونتيس عام 1965، والتى تصف عودة خوان ساياجو إلى البلدة التى تعيش فيها محبوبته ماريانا سامبيدرو، بعد مضى 18 عاماً على وجوده فى السجن بسبب مقتل راؤول ترويبا وأبناء المتوفى ينوون الثأر منه، فقد شقت طريقها إلى الشاشة الكبيرة على يد نجل الروائى الحائز على جائزة نوبل للآداب ؛ الكولومبى رودريجو غارسا بارشا وذلك بعد أن قام المخرج المكسيكى ارتورو ريبيستين باخراج النسخة الأولى من القصة عام 1965 , محققاً بذلك تقديراً عارماً فى المكسيك والعالم, وحينها قال إن تحويل قصة كتبها جارسيا ماركيز إلى عمل سينمائى إنما هو تحد , وقلة من المخرجين لديهم الجرأة لخوض غماره، ذلك أن مواءمة روايات جارسيا ماركيز ليست أمراً سهلاً، لأن بنيتها معقدة جداً ودقيقة ومحددة إلى حد كبير، وبالتالى , فإن قلة تجرؤ على مواءمة عمل من أعماله لأنها جيدة ولا بديل فى السينما من الاستجابة لتلك التوقعات وإما سيكون الفشل.
المخرج الكوبى فيرناندو بير نقل إلى السينما قصة أخرى لجارسيا ماركيز تروى حكاية وقوع ملاك عجوز طاعن فى السن فى باحة منزل وساهم فى البطولة أسدروبال ميلينديز وديزى جرانادوس ولويس راميريز أما سيناريو فيلم (حدود)، الذى كان ماركيز قد كتبه قبل أكثر من أربعة عقود، وقبل أن يكتب روايته (مائة عام من العزلة)، غير أن النسيان كان قد طواه، ولم يكن يتذكر أنه كاتبه فقد دبت به الحياة بعد وقوعه فى يدى الممثل والمخرج والمنتج رودولفو دى أندا، ليتحول إلى فيلم سينمائى تم تصويره فى المكسيك.
ويتحدث المنتج دى أندا، متذكراً اليوم الذى التقى فيه، قبل أربعين سنة، بالسينمائى لويس الكوريسا طالباً منه المشاركة فى أداء دور البطولة فى الفيلم، غير أن مشروع العمل فيه كان قد أرجئ لأجل غير مسمى، وركن السيناريو جانباً وبعد مرور الزمن- يتذكر دى أندا : توفى لويس الكوريسا، وجاءنى محامٍ صديق ليخبرنى أنه إلتقى الشخص الذى حصل على حقوق نشر جميع أعمال الراحل ومن بينها سيناريو فيلم (حدود) لجارسيا ماركيز وحينها استعاد دى أندا تفاصيل اللقاء الذى جمعه بالسينمائى الشاب الكوريسا، الذى كان يتحدث عن سيناريو فيلم عن رعاة البقر(كاوبوي)، يتناول شخصيتين مهمتين، شخصية رجل مسلح، طاعن فى السن، وشخصية الشاب الذى طلب الكوريسا تجسيدها. وبعد اللقاء مع صديقه المحامي، أبدى دى أندا رغبته فى الحصول على النص السينمائى وكان ما أراد فقد إشترى دى أندا حقوق النشر ولكن المفاجأة الكبيرة كانت عندما إكتشف أن كاتب سيناريو الفيلم ليس الكوريسا، بل جابرييل جارسيا ماركيز نفسه ولأن السيناريو يعود إلى سنوات عديدة مضت، فلم يعد حتى جارسيا ماركيز يتذكر بأنه هو الذى كتبه، الأمر الذى دفع به لأن يطلب من دى أندا أن يبعث نسخة من السيناريو إليه ويبدو أن مشروع نقله إلى السينما قد أدخل الفرح إلى قلب الروائى الكولومبي، لأن الفكرة من كتابته كانت منذ بدايتها أن يتحول هذا النص إلى فيلم.
المعروف أن رودولفو دى أندا شارك بصفة ممثل فى أكثر من 200 فيلم سينمائي، من بين أبرزها: أبن جارو نيجرو (1961)، وظل اليد السوداء (1964)، راهب ضد الذئاب (1976)، وأبناء الريح (1977).
" أما رواية " مائة عام من العزلة " تعتبر من أكبر أعمال ماركيز التى حاول أكثر من سينمائى تحويلها إلى فيلم، لكن المشاريع كانت تقف عند مرحلة كتابة السيناريو لصعوبة نقلها للسينما، فهى من أفضل أعمال الكاتب التى أدت إلى منحه جائزة نوبل للآداب عام 1983 وتنتمى إلى المدرسة الواقعية السحرية التى ميزت الأدب الأمريكى اللاتينى خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضى، وقد سبق أن حاول أحد المخرجين الإنجليز تقديم القصة كفيلم وبدأ التصوير بها فعلا، لكنه عاد وتراجع بسبب صعوبة نقلها إلى السينما، يذكر أن هناك ثلاثة أعمال للروائى ماركيز سبق وأن تم إنتاجها للسينما هى ومنها: ليس لدى الكولونيل من يكاتبه.
نعود مرة أخرى لرواية "100 عام من العزلة" فقد تباحث المنتج هارفى وينشتاين مع ماركيز حول إنتاج الرواية منذ عام 1983 لكن بسبب مشاغله وأمراضه تم تأجيل الموضوع حتى قبيل وفاته والفيلم لازال فى خطواته الأولى وقد يفرج عنه العام القادم نظرا لتعقيدات الرواية والموافقات الأصولية التى يجب استحصالها من ورثة الروائى الكبير الذين لم يعلقوا على هذا الموضوع حتى الآن ونشر هذا بـ"الإندبندنت".
من المعروف أن ماركيز لم يسمح أبداً أن تُحوّل روايته "100 عام من العزلة" إلى السينما، ورفض عرضاً من الممثل أنطونى كوين بتحويل الرواية إلى فيلم مقابل مليون دولار ويقول فى هذا الصدد: "لأننى لا أريد أن أجد الكولونيل أورليانو يتحول إلى صورة أنطونى كوين على أغلفة الرواية".
لكنه وافق على تقديم روايته "الحب فى زمن الكوليرا" بعد إلحاح المنتج سكوت ستايندورف الذى استمر ثلاث سنوات، وذلك لقاء ثلاثة ملايين دولار، رغم أنه اعتقد أن تحويلها إلى السينما مهمة عسيرة، لأنها رواية ملحمية مثل "مئة عام من العزلة"، وقد كتبها ماركيز فى نحو خمسمئة صفحة، وتمتد أحداثها على ما يقرب نصف قرن فى أزمنة متعاقبة وأمكنة متعددة.