كلما ذكرت قصص الحب الخالدة لابد أن تكون قصة حب الفنانة الكبيرة وردة والموسيقار العبقرى بليغ حمدى حاضرة، تلك القصة التى أهدتنا عشرات الأغانى الرومانسية وبدأت قبل لقاء الحبيبين وتحدت كل الظروف واستمرت حتى بعد الطلاق والموت.
وفى ذكرى وفاة الفنانة الكبيرة وردة التى رحلت عن عالمنا فى مثل هذا اليوم الموافق 17 مايو من عام 2012 بعد حياة حافلة بالحب والفن والطرب والإبداع، نلقى الضوء على قصة الحب الخالدة بين وردة وبليغ.
بدأت العلاقة الفريدة قبل اللقاء، حينما استمعت الفتاة الجزائرية التى لم يتجاوز عمرها 16 عاما إلى أغنية "تخونوه" للفنان عبد الحليم حافظ من فيلم الوسادة الخالية، الذى شاهدته فى إحدى صالات السينما بفرنسا حينما كانت تقيم مع أسرتها هناك، وأعجبتها الأغنية لدرجة جعلتها تتعلق بملحنها دون أن تراه، فعزمت على أن تلتقيه إذا سمحت الظروف.
وحانت لحظة اللقاء، حينما دُعيت وردة للحضور إلى مصر، فشعرت بالسعادة لأنها ستلتقى بليغ حمدى، ملحن أغنية "تخونوه".
يحكى الإعلامى الراحل وجدى الحكيم أن شرارة الحب انطلقت مع اللقاء الأول بين وردة وبليغ حمدى، عندما ذهب لتحفيظها أول لحن "يا نخلتين فى العلالى" من فيلم "ألمظ وعبده الحامولى" مع الفنان عادل مأمون، وقال الحكيم إن بليغ أخبره أنه لأول مرة يهتز حين يرى امرأة، عندما سلّم على وردة.
وأكد وجدى الحكيم، أن بليغ اصطحبه هو ومجدى العمروسى كى يتقدم لخطبة وردة، ولكن والدها رفض استقبالهم على باب المنزل.
ورغم رفض أسرة وردة زواجها من بليغ، ظل حبه لها مشتعلا، حتى بعدما عادت مع عائلتها للجزائر، وأصرّت أسرتها على زواجها من قريبها، وحتى بعدما أنجبت ابنيها وداد ورياض وابتعدت عن الفن، ومرّت عشر سنوات دون أمل.
بعد سنوات من ابتعاد وردة عن الفن، سافر عدد من الفنانين المصريين إلى الجزائر للاحتفال بعيد الاستقلال، فذهبت وردة للقائهم فى الفندق، وكان من بين الحضور هدى سلطان ومحمد رشدى وبليغ حمدي، الذى أمسك بالعود وجاءته فكرة أغنية "العيون السود"، التى كتب عددا من أبياتها فى هذا التوقيت، وبعدها بعام ونصف العام انفصلت وردة عن زوجها، وعادت إلى مصر وغنّت "العيون السود" فى 1972، التى أكمل كتابتها الشاعر محمد حمزة بأفكار بليغ، وقال عنها وجدى الحكيم أنها جسدت قصة حب وردة وبليغ وعبر فيها العاشق الولهان عن مشاعره.
وعملت إيه فينا السنين؟ فرّقتنا؟ لا.. غيّرتنا؟ لا.. ولا دوّبت فينا الحنين".. ولخصت هذه الكلمات التى كتبها بليغ حمدى ضمن أغنية العيون السود قصة الحب الخالدة التى جمعته بوردة الغناء العربي.
وقيل إن بعض مقدمات الأغانى التى وضعها بليغ لأم كلثوم كانت رسائل غير مباشرة منه إلى حبيبته البعيدة، ومنها مقدمة أغنية بعيد عنك، والحب كلّه، وسيرة الحب، وأنساك. وأن أم كلثوم عندما علمت بالأمر قالت له مازحه "انت بتشغّلنى كوبرى للبنت اللى بتحبها".
وبعدما عادت وردة إلى مصر، تُوجِّت قصة الحب بالزواج، إذ عُقد القران فى منزل الفنانة نجوى فؤاد، وغنّى فيه العندليب الأسمر أغنية "مبروك عليك"، واستمر زواج وردة وبليغ 6 سنوات.
وفى لقاء سابق مع الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، قالت إن بليغ كان معتادا خلال فترة زواجهما أن يضع لها "وردة" بجوار سريرها يوميًا، حتى تكون أول شيء تراه فى الصباح.
وغنّت وردة أجمل أغانيها من ألحان بليغ، ومنها: العيون السود، وخلّيك هنا، وحكايتى مع الزمان، واشتروني، وغيرها.
ولكن بسبب الغيرة واعتياد وردة على الحياة الأسرية التى لم يعتدها بليغ، وقع الطلاق بينهما، ما تسبب فى تدهور حالة بليغ الصحية والنفسية، حتى أنه كاد يُصاب بالاكتئاب، كما أصيبت وردة بعد الطلاق بانفجار الزائدة الدودية وكادت تفقد حياتها. وحتى مع الفراق لم يتوقف نهر الحب، فكتب بليغ العاشق الذى لم يفتر حبه يوما أغنية بودعك، وطلب من وردة أثناء مكالمة تليفونية من منفاه فى فرنسا أن تغنّيها، لكنها تردّدت بعض الشىء.
ورغم الطلاق، إلا أن مشاعر الحب والمودة ظلت مستمرة، وظل بليغ يحب وردة إلى آخر يوم فى حياته، حتى أن ابن شقيقه قال إنه كان يردد اسمها قبل وفاته فى 1993.
وقال وجدى الحكيم، إن الفنانة وردة ندمت على الانفصال عن بليغ، وقالت له: «تعاملى مع بليغ بعد انفصالنا خلانى ندمت على الانفصال، ولو كنت عرفت بليغ زى ما عرفته بعد الانفصال كانت الحياة استمرت بينا".
وغنّت وردة أغنية "بودعك" التى كانت آخر أغنية جمعتها مع بليغ، وبعد وفاته أصيبت بحالة اكتئاب شديدة، وظلّت فى كل لقاءاتها تتحدث عنه، إلى أن توفيت فى عام ٢٠١٢، بعد عشرين عاما من وفاته.