لماذا أصبح لقب الزعيم مرادفاً لاسمه، حتى أن الجميع يعرف أننا نتحدث عنه حين نذكر اللقب دون الاسم، لماذا أصبح عادل إمام زعيماً لدولة الفن واحتل هذه المكانة بلا منازع؟
سؤال نطرحه بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الفنان الكبير عادل إمام الذى ولد فى 16 مايو عام 1940، فما الذى منحه للفن حتى يكون هو الزعيم ويصاحب اسمه كل هذه الهالة من القوة والمهابة والعظمة الفنية؟
كان ظهور عادل إمام حتى فى بداياته ينبئ بميلاد فنان مختلف وهو ما تحدث عنه الفنان الكبير رشوان توفيق فى حوار أجريناه معه حكى خلاله عن أول مشهد ظهر فيه إمام على المسرح عام 1960، وحينها كان توفيق قد تخرج من معهد الفنون المسرحية مع عدد من زملائه ومنهم أحمد توفيق وعزت العلايلى وتم تعيينهم مديرى استديو مع بداية إنشاء التلفزيون، وتقدم الثلاثة باقتراح لتأسيس فرقة مسرحية من خريجى معهد الفنون المسرحية الذين يعملون بالتلفزيون، على أن يتم تصوير هذه المسرحيات وعرضها بالتلفزيون وأعجبت الفكرة الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وقتها، وكانت بداية نواة لتكوين مسرح التلفزيون.
وأشار الفنان الكبير رشوان توفيق أنه تم الاستعانة بالمخرج والفنان العبقرى السيد بدير، فأنشأ 3 فرق مسرحية مكونة من 45 ممثلا.
وأضاف متحدثا عن أول مشهد فى حياة الزعيم عادل إمام :" فى الموسم الثانى زاد عدد هذه الفرق إلى 7، وانضم إليها عادل إمام وصلاح السعدنى واختبرهما المخرج حسين كمال".
وأكد رشوان توفيق عبقرية عادل إمام التى ظهرت واضحة مع أول ظهور له ومواجهة للجمهور قائلا: "كان عادل إمام عبقريا منذ صغره، وكنا نقدم مسرحية "ثورة قرية" التى كتبها عزت العلايلى بطولة عبدالبديع العربى وزوزو نبيل، وقام فيها بدور بياع نداغة، يحمل صينية ويرتدى جلابية وكالسون فلاحى، وكان بمجرد دخوله للمسرح تهتز القاعة بالضحك، وكان يقول فيها جملة واحدة وهى "حلاوة سمسمية بمليم الوقية" وبطريقة أداء مميزة لفتت إليه الأنظار"
هكذا تولدت علاقة من نوع خاص بين الزعيم والمسرح لم ينافسه فيها أحد وحضور طاغ لفت انتباه المخرجين والمنتجين فوقع عليه الاختيار لأداء شخصية دسوقى أفندى فى مسرحية "أنا وهو وهى"
لم يبدأ الزعيم بأوار البطولة لكنه استطاع أن يخلق لنفسه مكانة مميزة وأن يكون مختلفاً اينما ظهر، وتدرج حتى حصل على أدوار البطولة مع فيلم البحث عن فضيحة عام 1973 وبعدها توالت بطولاته.
لم يكن عادل إمام مجرد فنان يحصل على أدوار البطولة فحسب بل عبر من خلال فنه وماقدمه عن آلام وأحلام وهموم الوطن والمواطنين، جعل المواطن يرى نفسه وما يعانيه على الشاشة، ويضحك حتى البكاء، قدم الزعيم الكوميديا بمنظور مختلف كوميديا تشبه حياة المصريين الذين يطلقون النكات على أوجاعهم ويضحكون وهم يتألمون ويعانون.
غير عادل إمام مفهوم ومواصفات الفتى الأول فى السينما والمسرح فلم يعد هو ذاك الشاب الذى يتمتع بقدر كبير من الوسامة التى تجذب إليه أنظار الفتيات، وأصبح عادل إمام الفتى الأول الذى يشبه ملامح معظم الشباب المصرى ويرتدى ملابس مثل ملابسهم ويتحدث مثلهم ويعانى مما يعانون منه فنصبوه زعيما لهم، وأدرك هو هذه المكانة فحرص على طرح كل المشكلات التى تعانى منها الطبقات الكادحة وكل أحلامها.
كان كل عمل للزعيم يحدث ضجة ويقلب الأرض وينبت فيها فكراً جديدا، سواء بما يقدمه على المسرح أو فى السينما والإذاعة والتلفزيون، ويكفى أن نذكر أسماء بعض أعماله فى فترات مختلفة وما أحدثته من ضجة وتفكير ومنها مسرحيات مدرسة المشاغبين، شاهد ماشافش حاجة، الواد سيد الشغال، الزعيم، وبعض أفلامه ومنها إحنا بتوع الأتوبيس، الحريف، المشبوه، الإرهاب والكباب، الإرهابي، اللعب مع الكبار، الهلفوت، الافوكاتو، كراون فى الشارع، بخيت وعديلة، رسالة إلى الوالى، طيور الظلام، شمس الزناتى، عمارة يعقوبيان،عريس من جهة أمنية، ومن المسلسلسلات :"أحلام الفتى الطائر، دموع فى عيون وقحة، فرقة ناجى عطا الله، صاحب السعادة" العراف، أستاذ ورئيس قسم، عوالم خفية وصولا إلى مسلسل فلانتينو الذى يعرض فى رمضان الجارى.
فى معظم هذه الأعمال اشتبك عادل إمام مع قضايا الوطن والمواطن، وكأنه يكتب تاريخ مصر وتطوراتها وأحوال أهلها بأعماله الفنية، فعبر عن الفئات المهمشة وتفاعلاتها مع قضايا المجتمع.
حارب عادل إمام الإرهاب بالفن، وهو ما عرض حياته للخطر فى أوقات كثيرة، فمثلا فى عام 1988 وفى أوج خطورة العمليات والجماعات الإرهابية أصر الزعيم أن يذهب ليعرض مسرحية الواد سيد الشغال فى أسيوط رغم خطورة ذلك على حياته، فضلا عن أعماله المتعددة التى فضحت الجماعات الإرهابية ومحاولات تسللها إلى كل المجالات.
وربطت الزعيم علاقة صداقة بعدد كبير من المفكرين والكتاب ومنهم المفكر فرج فودة الذى اغتالته الجماعات الإرهابية، وكان عادل إمام إلى جواره حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فى المستشفى وعبر عن هذا الحدث من خلال فيلمه الإرهابى.
وعلى مدار مسيرته الفنية التى امتدت لما يقرب من 60 عاما لم يخلف الزعيم وعده للجمهور حتى فى أصعب لحظات حياته، حتى أنه عندما توفى والده عام 1997 وكان يعرض مسرحيته فى لبنان وقف على المسرح وأضحك جمهوره فى نفس يوم وفاة والده وقلبه يتمزق حزنا، وهكذا فعل مع وفاة صديقه ورفيق عمره الفنان مصطفى متولى أثناء عرض مسرحية بودى جارد عام 2000 وكان متولى مشاركا بالتمثيل فيها، ورغم ذلك استكمل الزعيم العرض حتى لا يخل بالتزامه مع الجمهور الذى حجز تذاكر المسرحية.
ومن المعروف عن الفنان الكبير عادل إمام مساعدة زملائه ونصحهم بإضافة بعض التفاصيل للدور مما تمنحهم تاثيرا وجماهيرية أكبر، ومن هذه المواقف ما حكاه الفنان الكبير لطفى لبيب فى حوار لـ"عين".
حيث تحدث لبيب عن عمله وصداقته للزعيم عادل إمام قائلا: «عادل إمام فنان وإنسان جميل فى التعامل وفى الشغل والفن عنده رقم 1 فى الحياة».
وأكد لبيب أنه حين قام بدور السفير الإسرائيلى فى فيلم السفارة فى العمارة أشاار عليه الزعيم بأن يسحب التورتة وهو خارج، ولم تكن هذه اللقطة مكتوبة فى السيناريو، لكنها أعجبت المخرج ونجحت، وهكذا الفنان العظيم يحب أن ينجح ومعه باقى فريق العمل ولا يبخل على زملائه بالنصيحة.
وطوال تاريخه الفنى حرص الزعيم على احترام نفسه وجمهوره فلم تستطع الشائعات التى تطارد الحياة الخاصة لأهل الفن أن تنال منه، ونأى بنفسه عن كل ما يعرض سمعته لأى خطر، وكان من أكثر الفنانين الذين يحترمون الحياة العائلية يتحدث دائما عن زوجته السيدة هالة الشلقانى أم أولاده الثلاث "رامى، سارة، محمد بكل حب وتقدير، مؤكدا أن وجوها فى حياته جعلها أكثر استقرارا وساعده على النجاح.
هكذا اجتمعت عشرات الأسباب لتجعل من عادل إمام زعيماً وتجعل من يوم ميلاه عيدا للفن المصرى والعربى يستحق الاحتفاء.. فكل عام والزعيم زعيماً مبدعاً متألقاً متربعاً على القمة وكل عام والفن والجمهور ينعم ويستمتع بإبداعه الدائم.