المسرح لا يكتب إلا شعرا، هكذا كانوا يرون الدراما المسرحية قديما، فقد ولد المسرح فى أحضان الشعر، عندما قدمت الأساطير قدمت بصياغة شعرية، وكذلك عندما قدمت الدراما المصرية وغيرها قدمت أيضا بصياغة شعرية، فكانت لغة الحوار فى المسرحيات لغة إيقاعية، وقد عرف أرسطو المسرح الشعرى بأنه كل ماهو دائم وعام وحقيقى فى حياة الإنسان وأفكاره، فالمسرح الشعرى يحقق المتعة والإنسجام بين الشاعر المسرحى والمتلقى.
ولكن هل تعيش مصر الأن أزمة فى المسرح الشعرى، فى الحقيقة كانت وزيرة الثقافة دكتورة إيناس عبد الدايم قد أعلنت منذ أيام جوائز الدولة، تلك الجوائز التى تعد صورة من صور تقدير الوطن لمبدعيه، وقد تم حجب جائزة الدولة للمسرح الشعرى الأمر الذى فاجأ الكثير من المبدعين وبدأت التساؤلات لماذا غاب المسرح الشعرى وكتابه، وهل هناك أزمة حقيقة نواجهها نحوه، فقد عرفت مصر بالعديد من الشعراء المبدعين الذين يمتلكون النسيج الدرامى ويعتبروا رواد للمسرح الشعرى.
وعلى سبيل المثال أمير الشعراء أحمد شوقى الذى يعد رائدا من رواد المسرح الشعرى ويعد الدعامة التى مثلت هذا النوع من المسرح، وقد إستوحى معظم مسرحياته الشعرية من التاريخ ومن أهم المسرحيات الشعرية التى كتبها "على بك الكبير، مصرع كيلوباترا، عنتره، مجنون ليلى، الست هدى" وقد حمل راية المسرح الشعرى بعد أمير الشعراء عزيز أباظه والذى برع فى فن الرثاء، ومن أهم أعماله "قيس وليلى، الناصر، شجرة الدر، شهريار".
ومن بعدهم ظهر المبدع صلاح عبد الصبور والذى اتسم مسرحه الشعرى بالرمزية الشديدة، وعمل على نقل الواقع، فقدم لنا "مأساة الحلاج، الأميرة تنتظر، مسافر ليل، ليلى والمجنون، بعد أن يموت الملك".
أما عبد الرحمن الشرقاوى ونجيب سرور فقد تعمدوا فى مسرحياتهم الشعرية أن يظهروا النزاع الطبقى، ومعالجة هموم أبناء وطنهم، ولكن هل إستطاع الكتاب أن يواصلوا المسيرة، لابد أن نتيقن أن ليس كل كاتب مسرحى يستطيع أن يكتب مسرح شعرى، وليس كل شاعر أيضا يستطيع أن يكتب مسرح شعرى، فالمسرح الشعرى هو فن من الفنون المركبة لإحتواءه على أكثر من أداه، ولا يمكننا فصل عناصر العرض المسرحى عن النص الشعرى، لابد أن يكون كاتب المسرح الشعرى لديه مقاومات الكتابة الشعرية والمسرحية معا، ومن هنا تكمن الصعوبة.
لا يمكننا تجاهل المحاولات الجادة فى المسرح الشعرى بالرغم من قلتها، ولكن أصبحت الفرجة غالبة على النص وتطورت الدراما ولم تعد مقتصرة على النص التقليدى فأصبح هناك معايير أخرى تبهر المتلقى، والكثير من المخرجين يجدوا صعوبة فى التحمس لنص مسرحى شعرى الأن يواكب الأحداث ويواكب ذوق المتلقى دون أن يقع فى ملل.