أجمع شيوخ الأغنية فى العالم العربى على قاعدة لا يمكن الإغفال عنها أو تجاوزها لمن يخطو خطواته الأولى فى عالم الغناء، فإن كنت موهوبًا تمتلك صوتًا عذبًا تطرب له الآذان لابد من شخصية فريدة تحكم هذا الصوت وتديره، لئلا تكون مسخًا من آخر، ولا عيب فى أن يتأثر الفنان بمن سبقوه، لكن العيب أن يكون مسخا منهم، فتجده متأثرًا بنموذج لا يمكنه التخلص منه ويلازمه طيلة مشواره الفنى – القصير بالطبع – فإن طرق صوته مسامعك بالصدفة لا تكاد تفرق بينه وبين النموذج الأصل، الفارق الوحيد أن الأول صنع لنفسه شخصية والثانى يلهث وراءه.
كثيرون من يرددون أغنيات النجم محمد منير - على سبيل المثال - مقلدين حركة يديه ولغة جسده وأدائه الذى تفرد به عن أقرانه من المطربين، ورغم كثرتهم لكن يظل الكينج واحدا فقط، حالة لا يمكن أن تتكرر، كذلك الهضبة عمرو دياب الذى حاول صغار المطربين أن يكونوا نسخة طبقة الأصل منه ولم يفطنوا إلى أنهم يطلقون على أنفسهم حكمًا بالفناء، فتلك المكانة التى اكتسبها الثنائى عبر سنين طويلة لم تخلُ من لحظات رفض لهذا الجديد وإصرار على المشوار وسقوط تبعه نجاح ساحق، حتى أصبح لهما جمهور يأتيهما من كل حدب وصوب أينما كانوا، فمن العبث أن يأتى أحدهم فى يوم وليلة ليكون منير أو عمرو دياب دون أن يمر بهذا المشوار الطويل بما فيه من إخفاقات ونجاحات.
تلك المقدمة إذا سلمنا بصحتها تقودنا إلى الوقوف أمام اسم كثيرا ما تردد خلال الفترة الأخيرة خاصة بعد انتشار مهرجانه "بنت الجيران" وهو "عمر كمال"، فلا يختلف اثنان حول تأثره بالنجم الكبير محمد فؤاد، حتى تظن للوهلة الأولى أنك تستمع لفؤش، لكنك سرعان ما تجد خيطًا يجعلك تفرق بين الاثنين، وهو أن فؤاد بتاريخه الفنى الكبير لا يمكن أن يتغنى بكلمات دون المستوى تلك التى يتلفظ بها مطربى المهرجانات، لتقول فى يقين: "لا.. محمد فؤاد لا يمكن يغنى الأغانى دى"، فالأغنية بلا شك تعكس ذوق وثقافة وخبرة المطرب.
قلنا إنه ليس عيبا أن يتأثر مطرب بمن سبقوه؛ لكن العيب أن يصبح مسخًا من أحدهم، لذلك نعيب على عمر كمال كونه مسخًا من محمد فؤاد، وقدم نفسه للساحة على أنه مطرب بلا شخصية، ولا أجد دافعا لسماعه، فلماذا أترك الأصل وأذهب إلى الصورة؟ والعجيب فى الأمر حينما يخرج كمال مع كل لقاء تليفزيونى وينكر ذلك مبديًا غضبه ممن يتهمونه بتقليد محمد فؤاد مدعيًا أنه مطرب يمتلك شخصية مختلفة، لكنه فى الحقيقة لم يأت بجديد.
عمر كمال الذى كان يتردد على عنوان محمد فؤاد والاستوديو الخاص به بمدينة نصر من أجل التقاط صورة، لجأ للخداع حين طرح أغنياته على موقع اليوتيوب باسم محمد فؤاد مستغلا شعبيته من أجل تحقيق انتشار أكبر ونسب مشاهدات عالية، ولم يكتف بتقليده وتقديم أغنياته فى الكافيهات والأفراح، بل استولى على ألحانه وموضوعات أغانيه وقدمها على أنها من إبداعاته، ولك أن تستمع إلى الأغنيات التالية لتحكم بنفسك.
خلاصة القول، إن لم يجد عمر كمال مخرجًا لنفسه حتمًا فإن أمر خفوت نجمه مسألة وقت ليس أكثر، وسيواجه مصير من سبقه، ففى بداية الألفينات حاولت شركة إنتاج استنساخ محمد فؤاد جديد بعدما تركها وتعاقد مع أخرى، وقدمت أحد الأصوات يدعى "محمد كمال" وطرحت له ألبوما كاملا وحقق نجاحا كبيرا إذ ظن الناس إنهم يستمعون إلى محمد فؤاد فى آخر ألبوماته، بعدها اختفى هذا الصوت وكأنه لم يكن موجودا من الأساس، ليظهر بعد سنوات عمر كمال، وبعده سيظهر كمال ثالث ورابع.. إلخ ، لكن يظل محمد فؤاد واحدًا مهما مر الزمن، وإن كنا نلوم عليه غيابه الطويل – دون مبرر - الذى أعطى لهؤلاء فرصة للظهور مستغلين تعطش أذان جمهوره لصوته وشجونه.