فى أفلام الرعب المصرية إن لم تمت من الرعب ستموت من الضحك، هكذا بدت تلك المحاولات الأولى ساذجة لنقل "تيمة الرعب" من هوليوود إلى السينما المصرية، لكن الأمر مختلفًا ونحن نتحدث عن فيلم "الحارث" فى أول تجربة لمخرجه محمد نادر الذى يبدو أنه جاء محملًا بمشروع جرىء يقدم من خلاله أوراق اعتماده مخرجًا مقتحمًا طريق وعرة ربما وجد من نصحه قبلها بألا يقدم على هذه الخطوة، ولكنه فعل.
يقول الدكتور أحمد خالد توفيق فى أحد مقالاته: "إن طيف الرعب يبدأ بالتشويق والتوتر وينتهى عند طرفه الآخر بالرعب المعنوى الذى يصور الذبح والأشلاء المتناثرة والصدور التى تنفجر والعيون المقلوعة، الحل بالنسبة للسينما المصرية أن تقترب أكثر من عالم رعب الجو والتشويق، وتلعب على الرعب النمطى الموجود لدى الجميع"، وهذا ما فطن إليه المؤلف محمد عبد الخالق حين شرع فى كتابة فيلمه "الحارث".
لا يخلو فيلم رعب وتشويق من "المسخ" وهو أى شىء لا يعتقد العلم فى وجوده، لذلك استغل المؤلف على عبد الخالق الثقافة الشعبية المصرية التى تؤمن بوجود الجان والعفاريت وقدرتهما على إيذاء الإنسان فى توظيف أسطورة يدّعى أنها شائعة بين أهل سيوة، يبدأ بها فيلمه على لسان الراوى: "ليلة الحارث هى ليلة فرح إبليس، ليلة ما غوى أبونا آدم ونزله من الجنة، الناس القوادم عارفة الليلة دى من كل سنة بتخبى بناتها، إبليس بيختار بنت من بنات حواء يتجوزها ويجيب منها مس شيطان، لأجل ما يحرث خير الأرض ويرفع رايته عليها".
تدور قصة الفيلم حول زوجين "يوسف وفريدة"، يذهبان فى شهر العسل إلى منطقة سيوة التى برع المخرج محمد نادر فى إبراز جمال معالمها، هناك يختار إبليس فريدة لتكون زوجته لينجب منها ذرية تعيث فى الأرض فسادًا، ليبدأ الصراع بينهما حتى نهاية الفيلم، فمن ينتصر فى النهاية إبليس أم البشر؟ ولخص الكاتب فلسفته فى حوار على لسان أحد شخصياته، بسؤال يجمع بين الدين والفلسفة، لماذا خلق الله الشجرة لآدم؟ الإجابة الأقرب عند الكثيرين: ليختبره، لكن الكاتب له رأى آخر، فالبشر هم من اختاروا العيش على الأرض وإن ظن إبليس أنه أغواهم، وكما اختار الإنسان الأرض فهو قادر على مواجهة إبليس إن شاء ذلك.
يبدأ رعب البارانويا بين شخصيات الحكاية من اللقطة الأولى، فإبليس على موعد مع من يختارها، الصراعات غير واضحة، الخطر يدق أجراسه، سلوك الأفراد لا يقود لشىء منطقى، مع موسيقى الفيلم التصويرية التى أدخلت المشاهدين سريعًا فى جو من الرعب ونعتبرها العنصر الأقوى للفيلم.
اللافت فى فيلم الحارث أن أقل الممثلين ظهورا هم أكثر الممثلين إمتاعًا، فتتمنى لو طالت أزمانهم على الشاشة لدقائق أخرى، وأخص بالذكر باسم سمرة فى أفضل ظهور له على الإطلاق، وعمرو عبد الجليل بحضوره القوى، وأسماء أبو زيد القادرة على إقناعك بسهولة، ورشدى الشامى الذى مازال فى جعبته الكثير ونعتبره صاحب أقوى مشاهد الفيلم، أما أبطال العمل الرئيسيين لم يكونوا على مستوى الحكاية رغم أن شخوصهم مليئة بالصراعات والتفاصيل، وظهروا كما لو أنهم يجسدون فى زمن بينما تدور أحداث الفيلم فى زمن آخر، خاصة انفعالات بطل العمل أحمد الفيشاوى التى جاءت واحدة فى أغلب الوقت حتى فى مشهد انتحار زوجته.
لو سلمنا بتقسيم السيناريو إلى 3 مراحل هى التمهيد، ثم المجابهة وأخيرا الحل، فإن السيناريست محمد إسماعيل أمين حالفه التوفيق فى الأولى وتسرع فى الأخيرة، لكنه ارتبك فى أهم مراحل السيناريو وهى مرحلة المجابهة، وحرق مفاجأته سريعا، ولم يصعب على المشاهد توقع أن على الطيب – أحد ذرية إبليس - هو من يقف وراء كل تلك الأحداث، وشاركه تلك السقطة أداء "الطيب" نفسه واللقطات القريبة التى اتبعها المخرج مع الممثل ذاته. كما أننا لا نجد سببًا لتخلى الشخصيات السيوية عن لهجة أهل سيوة وبدوا يتحدثون اللهجة القاهرية فى غير موضعها.
وارتكب السيناريست محمد إسماعيل أمين نفس الأخطاء التى وقع فيها أقرانه من الكُتّاب حين يتعاملون مع شخصية الصحفى فى أعمالهم، فجميعهم – إلا قليل - لا يميزون بين المقال والخبر والتحقيق وأشكال الكتابة الصحفية الأخرى، وكأن الصحفى لا يكتب إلا مقالات، كما أنه ابتدع وظيفة جديدة فى عالم الصحافة وهى "رئيس تحرير قسم الاقتصاد".
ورغم ضعف الحوار إلا أنه لم ينل من عمق القصة وفلسلفة كاتبها فإن كان الشيطان شاطر كما يقولون، فإن الفيلم يعد أول انتصار لبنى البشر على إبليس، إذ اختار المؤلف نهاية فيلمه بالمواجهة الأولى بين إبليس "لحم ودم" والإنسان، ليقرر ابن آدم عدم الاستسلام لإغواء هذا الإبليس رغم اعترافه بقدرته على الغواية والخداع فى المقابل لا ينكر قدرة الإنسان فى صده إن أراد.
المخرج محمد نادر وإن كان أحد مكاسب تلك التجربة، إلا أنه اهتم بالصورة على حساب الحوار وأداء ممثليه، فالحوار ضعيف من ناحية، ومن جانب آخر لم ينجح فى أن يشارك أبطال فيلمه تصوره ورؤيته للعمل.