كان نجوم الزمن الجميل أصحاب مواقف قوية ولا يقبلون الإهانة، ورغم تواضعهم كانوا يقدرون أنفسهم وفنهم خاصة حين يسافرون للخارج، وكثيرا ما تعرضوا لمواقف صعبة أثبتوا فيها حرصهم على كرامتهم وكرامة بلادهم.
ومن هذه المواقف ما تعرض له الفنان الكبير محمود المليجى عندما سافر إلى أسبانيا، وكتب هذا الموقف بالتفصيل فى مقال بعدد نادر من مجلة الكواكب صدر عام 1956 تحت عنوان: "حكاية المقعد والسيارة فى أسبانيا".
وقال المليجى إنه سافر إلى أسبانيا للمشاركة فى فيلم عالمى تشارك فى إنتاجه مارى كوينى، وعندما وصل اتصل بمسئولى الإنتاج ليخبرهم بوصوله قائلا: "أنا محمود المليجى"، فضحك أحدهم بسخرية مشيرا إلى أنه لا يعرف هذا الاسم، فأخبرهم بأن له دور فى الفيلم وهو دور إبراهيم، فأجابوه "أه، أنت إبراهيم ونحن لا نعرف محمود المليجى".
وأشار المليجى إلى أنه ابتلع الإهانة وسكت، متحسراً على أن الفيلم المصرى لم يتجه وجهة عالمية، ولم تساعد الدعاية الفنانين المصريين فى الخارج.
وأوضح أنه لم يكن قد غير النقود التى معه إلى العملة الأسبانية، وعندما ذهب إلى الاستديو كان يشعر بحاجته إلى فنجان قهوة، وانتظر أن تقوم إدارة الاستديو بتقديم واجب الضيافة له فى صورة فنجان قهوة، ولكن هذا لم يحدث، فجلس وهو يمسك رأسه بيده لحاجته الشديدة لفنجان قهوة، حتى فوجئ بالجرسون يمنحه هذا الفنجان بعد أن شعر عامل الكهرباء بالاستديو بحاجته وتطوع لدعوته على فنجان قهوة، فشكره المليجى.
وفى المساء كان كل فنان يذهب إلى سيارته ويتركون المليجى فى الصقيع دون أن يعرف كيف سيصل إلى الفندق، وفى اليوم الأول رآه عامل الكهرباء يقف فى الشارع ولا يعرف كيف يذهب إلى الفندق، فأخذه من يده ودخل الاستديو واتجه نحو التليفون وطلب رقم " 28" لاستدعاء تاكسى لتوصيل المليجى.
وأشار المليجى إلى أنه عندما ذهب للاستديو فى اليوم الأول لم يمثل وتركوه يشاهد الممثلين وهم يمثلون أدوارهم، وفعلوا معه نفس الشىء فى اليوم الثانى، وظل 12 ساعة واضعاً الماكياج ويقف تحت الأضواء التى تولد حرارة شديدة دون أن يؤدى مشاهده، أو حتى يجد مقعداً يجلس عليه.
وكان كلما جذب مقعدا ليجلس منعه عامل الاستديو مشيرا إلى اسم صاحب المقعد المكتوب على ظهره، وتلفت المليجى فلم يجد سوى درج خشبى هو جزء من ديكور الاستديو فجلس عليه وهو يقول للعامل باللغة العربية وهو غاضب: "السلم ده بتاع حد، انا هاقعد عليه".
وأخيرا طلب المخرج الاسبانى من محمود المليجى أن يقف أمام ممثل أسبانى وأن يقلده وهو يؤدى الدور فكتم المليجى غيظه، وأدى الممثل الأسبانى الدور، فقال المليجى للمخرج إن هناك بعض الأخطاء فى الأداء، فضحك المخرج وقال له: "نحن لا نريد منك سوى تقليد ما رأيت"، فاشتعل غضب المليجى ونفد صبره وقال للمخرج: "أنا لن أمثل دورى إلا بالطريقة التى أريدها وأراها صحيحة"، فهز المخرج رأسه، وقال: "دعنا نرى طريقتك" وبمجرد أن أدى المليجى المشهد أبدى المخرج إعجابه الشديد ودهشته من أدائه".
وأضاف المليجى أنه فى ذات اللحظة دخل الاستديو فنان كبير كانوا يصفونه بأنه معبود الجماهير فى أسبانيا ووقف الجميع ليحيوه، وكان المليجى سيؤدى مشهداً أمامه، وبالفعل أدى المشهد فى إتقان شديد جعل الجميع يصفقون له بما فيهم هذا الفنان الكبير.
وأكد المليجى أن معاملة الجميع له تغيرت بعد هذا الموقف وتحولت نظرات التجاهل إلى نظرات إعجاب، وجاءه عامل الاستديو الذى منعه من الجلوس بمقعد خاص به مكتوب عليه اسمه.
وبعد أن انتهى من مشاهده وجد سيارة خاصة خصصها الاستديو لتكون تحت أمره فى كل تحركاته، ولكنه رفض السيارة واستدعى تاكسى كعادته، وأخبر المخرج وإدارة الاستديو أنه أراد أن يعطيهم درسا فى كيفية معاملة الفنان، خاصة إذا كان ضيفاً، مشيراً إلى أننا فى مصر نضع الضيوف فوق رؤوسنا، وحاول الجميع استرضاء المليجى ولكنه أصر طوال فترة بقاءه أن يجلس على الدرج وأن يستقل تاكسى وترك مقعدهم وسيارتهم.