"مصر جميلة.. مصر جميلة.. خليك فاكر مصر جميلة" استمع الملايين لهذا الموال الجميل الذى غناه أسطورة الفن الشعبى وعبقرى المواويل الفنان الكبير محمد طه الذى تحل ذكرى ميلاده اليوم الموافق 44 سبتمبر، حيث وُلد فى مثل هذا اليوم من عام 1922، هذا الموال الذى أعاد محمد طه للحياة بعد موته بسنوات، وبعد تجاهل وإهمال تراثه وكنوزه التى تجاوزت 10 آلاف موال، عندما استعانت المخرجة ساندرا نشأت بهذا الجزء من الموال لتختم به فيلمها «خليك فاكر» الذى طرحته عن الدستور، فوجدت فيه معظم القنوات الفضائية خير ما يعبر عن حال مصر حاليا فبدأت تذيعه وتعيده للحياة.
ويبقى مئات وآلاف من إبداعات محمد طه ومواويله فى طى النسيان، رغم ما بذله فيها من جهد وما تحويه من إبداع فنان عبقرى صاحب موهبة فريدة فى ارتجال الأغانى والألحان، حيث كان يمكنه ارتجال أى موال دون ترتيب، وإذا سمع اسم شخص كان بإمكانه ارتجال موال خاص به فى نفس اللحظة، حتى شهد له عميد الأدب العربى طه حسين بالعبقرية.
اسمه الكامل "محمد طه مصطفى أبو دوح"، وولد فى طهطا محافظة سوهاج، ولكنه نشأ فى بلدة أمه عزبة عطا الله سليمان بقرية سندبيس مركز قليوب.
بدأت مواهب محمد طه فى الغناء تظهر أثناء عمله فى أحد مصانع النسيج بشبرا، حيث تعرف على رئيس الزجالين مصطفى مرسى الذى تبنى موهبته وعلمه فن الارتجال، وبعدها بدأ يغنى فى مولد السيدة زينب والحسين، وفى إحدى المرات سمعه الإذاعى طاهر أبو زيد فطلب منه أن يحضر للإذاعة وتم اعتماده بالإذاعة عام 1956 بعد اجتيازه الاختبار بتفوق فى اللجنة التى كانت تضم كلا من طه حسين والإذاعى محمد حسن الشجاعى وعازف الكمان أنورمنسى.
وأبدى طه حسين إعجابه بموهبة محمد طه فى الارتجال والغناء والتلحين، وسأله عن مؤهلاته الدراسية، فقال محمد طه بخفة ظله التى اشتهر بها: لا أحمل إلا شهادة الميلاد وشهادة الخدمة العسكرية، فرد عميد الأدب العربى: لكنك تحمل شهادة ربانية أكبر من الليسانس فى المواويل.
وعندما رفضت نقابة الموسيقيين قيده بجداولها؛ لأنه لا يحمل مؤهلاً، تظلّم على هذا القرار وشُكّلت لجنة رأسها عازف الكمان أنور منسى لاختباره فارتجل موالاً قال فيه: «أنا فى محكمة العدل أصل العدل للعادل.. واسمع يا منسى أنا مش منسى وفى الكلام عادل.. وإذا حكمتم يكون الحكم بـ«العادل» أنا اسمى عدل الكرام محمد أبوطه أبونفس عالية ما عمره فى يوم ما وطاها».
بدأ محمد طه يشارك فى الأعمال السينمائية عام 1956، ومن أبرز الأعمال التى شارك فيها (السفيرة عزيزة، دعاء الكروان، فيفا زلاطا، صراع فى الجبل)، وغيرها.
وضمه زكريا الحجاوى إلى "فرقة الفلاحين للفنون الشعبية"، التى كلفته وزارة الثقافة بتشكيلها، كما استعان به الإذاعى "جلال معوض" لإحياء حفل اضواء المدينة فى غزة للاحتفال بالإفراج عن يوسف العجرودى حاكم غزة، فارتجل طه موال قال فيه: «يا رايح فلسطين حوِّد على غزة.. تقعد مع أهل الكمال تكسب وتتغذى.. وسلم على يوسف حاكم قطاع غزة.. وقل له إحنا البواسل. سيوفنا فى قلب اليهود غازة».
كما غنى فى احتفالات أعياد الثورة أمام جمهور، يتقدمه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وغيرهم من القادة.
وكوّن محمد طه فرقته الموسيقية الخاصة "الفرقة الذهبية للفنون الشعبية"، وضم إليها أخاه "شعبان طه" الذى يشبهه تماما كما ضمت الفرقة عازفين للناى والأرغول والكمان والعود والطبلة، وهى الفرقة التى ظلت تلازمه فى كل حفلاته فى الأفلام التى شارك فيها، كما كون شركة لطباعة أسطواناته سماها شركة "ابن البلد".
وكان محمد طه أول فنان شعبى مصرى يحصل على عضوية جمعية المؤلفين والملحنين فى فرنسا، ويكون له كرسى يمثل مصر من خلاله، وظل يبدع ويؤلف ويرتجل المواويل حتى وفاته فى 12 نوفمبر عام 1996، تاركا وراءه ثروة وكنوزا فنية تجاهلها المسئولون، ولا يتم عرضها رغم ما تحمله من إبداع وفن.