فى معبد فيلة بأسوان كان صوته يعانق الجدران ويختلط بالنقوش الفرعونية ويلمس صور ايزيس وأوزوريس فيمنحك إحساسا بأن الحياة دبت فى هذه النقوش والرسومات، وأن أصحابها سافروا عبر الزمن ليحكوا تاريخ مصر بصوت محمود ياسين، الذى كان خير من يجسد صوت التاريخ فى عرض الصوت والضوء.
فصوته المميز جعله الصوت المرادف للتاريخ، لا تخطئه أذن، ولا يقتصر إبداعه على التمثيل فقط، فهو الصوت الرخيم الحاضر دائما فى الاحتفالات الوطنية وفى سرد حكايات التاريخ.
محمود ياسين الفنان الذى أعطى للفن طوال مسيرة حياته من أدوار فتى الشاشة الأول وحتى دور الجد، ولم يقتصر هذا العطاء على التراجيديا، بل تجاوزه أيضا إلى الكوميديا، مئات الأعمال الوطنية والرومانسية والدينية والتاريخية والاجتماعية كتبت اسم الفنان الكبير محمود ياسين الذى رحل عن عالمنا قبل ساعات بعد رحلة طويلة مع المرض فى سجل المبدعين بحروف من نور.. ليبقى دائما رمزا وصوتا للتاريخ رغم رحيل الجسد.
تنوعت أدوار الفنان العملاق المولود بمدينة بورسعيد فى 2 يونيو عام 1941، فقدم شخصية الجندى المحارب فى فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» وفيلم «بدور»، والفتى الرومانسى فى فيلم «نحن لا نزرع الشوك»، والرجل الناضج فى «أنا وابنتى والحب» و«أفواه وأرانب» والشيخ الحكيم فى مسلسل «العصيان»، وفيلم «الحب فى طابا»، والمدرس خفيف الظل فى مسلسل «غدا تتفتح الزهور» وجسد العديد من الشخصيات فى مسلسل «اللقاء الثانى»، كما أبدع فى روائع الدراما الدينية والتاريخية منها: محمد رسول الله، أبو حنيفة النعمان، جمال الدين الأفغانى، أبوفراس الحمدانى.
ولم تقتصر إبداعات محمود ياسين على الأعمال الجادة، ولكنه أبدع أيضا فى عدد من الأدوار الكوميدية، منها: مسلسل ماما فى القسم، وفيلم جدو حبيبى، فضلا عن عشرات الأعمال الإذاعية.
ورغم ميوله الفنية التحق محمود ياسين بكلية الحقوق، وطوال سنوات دراسته كان حلم التمثيل لا يفارقه، وبعد تخرجه تقدم لمسابقة بالمسرح القومى، وحصل على المركز الأول فى ثلاث تصفيات متتالية، وتم تعيينه بالمسرح القومى، وقام ببطولة مسرحية «الحلم»، وتوالت بعدها بطولاته المسرحية حيث قدم أكثر من 20 مسرحية منها: «وطنى عكا، عودة الغائب، سليمان الحلبى، الخديوى، الزير سالم، ليلى والمجنون».
وكانت الانطلاقة الكبرى لمحمود ياسين فى السينما التى منحته لقب «فتى الشاشة الأول»، وبدأ مشواره فيها بأدوار صغيرة فى بعض الأفلام، ومنها: الرجل الذى فقد ظله، شىء من الخوف، وبعدها بدأ رحلة البطولات السينمائية بفيلم «نحن لا نزرع الشوك» مع شادية، وخلال فترة السبعينات كان محمود ياسين من أهم نجوم الأفلام الرومانسية، ومنها «الخيط الرفيع، حكاية بنت اسمها مرمر، حب وكبرياء، الرصاصة لا تزال فى جيبى»، وتوالت أعماله السينمائية حتى وصل رصيده إلى أكثر من 150 فيلما خلال مراحل حياته المختلفة، وحتى تحول من أدوار الفتى الأول إلى أدوار الجد والشيخ الكبير وكان آخرها «جدو حبيبى، الوعد، الجزيرة».
ومع بداية التسعينات تألق محمود ياسين فى العديد من المسلسلات والأعمال التليفزيونية، فقدم أعمالا متنوعة ما بين المسلسلات الدينية والاجتماعية والتاريخية منها: «جمال الدين الأفغانى، غدًا تتفتح الزهور، الزير سالم، الأفيال، كوم الدكة، اللقاء الثانى، سوق العصر، العصيان، أبو حنيفة النعمان»، جسد خلالها الشر والخير والحكمة والكوميديا، حيث تؤهله إمكانياته الفنية للقيام بأى دور.
استمرت مسيرة عطاء محمود ياسين فى كل مراحل عمره، وترك بصمته فى كل أعماله، حتى وإن شارك فى لقطات قليلة من العمل فنى، وهو ما حدث فى دوره المميز فى فيلم الجزيرة مع أحمد السقا، وفيلم الوعد.
وفى عام 2014 انسحب محمود ياسين من المشاركة فى مسلسل «صاحب السعادة» مع الزعيم عادل إمام، وبعدها لم يظهر إلا فى جنازة زميله الفنان الراحل نور الشريف عام 2015، حيث بدت عليه علامات التعب والوهن وتقدم العمر.
وأعلنت الفنانة شهيرة أن زوجها الفنان محمود ياسين لم يعد قادرا على العمل؛ بسبب المرض وطلبت الدعاء له بالشفاء، مشيرة إلى أنه عُرض عليه العمل فى مسلسل «الجماعة 2»، ولكن حالته الصحية لم تكن تحتمل، وأنه لن يعود للتمثيل، ويكتفى بتاريخه الفنى الطويل.
ورغم رحيل الفنان الكبير محمود ياسين إلا أنه سيبقى حاضرا بقوة بأعماله ورصيده الضخم، الذى شكل وجدان الملايين، والذى كان وسيظل رمزا وصوتا للتاريخ والحضارة.