تقليد جديد ذلك الذى فعله الفنان الكبير محمد صبحى فى احتفالية 50 سنة فن، بمناسبة اليوبيل الذهبى لمشواره الفنى الضخم والثرى ، لم يحتفى صبحى بنفسه خلال هذه الاحتفالية بالرغم من أن يستحق الاحتفاء ولكنه جعل الاحتفاء والتكريم لكل من شاركوه أعماله وكل من اكتشفهم وقدمهم وكل من ساهم فى نجاح هذه المسيرة.
مايقرب من 120 فنانا من كل الأجيال رفقاء طريق وأساتذة ومعلمين وتلامذة ، حتى أسماء من رحلوا عن عالمنا كرمهم محمد صبحى فى مسرحه بمدينة سنبل ولم ينس دورهم وإبداعهم ومسيرتهم معه فى ليلة امتلأت بالحب والعرفان والإبداع.
كان من بين المكرمين سيدة المسرح الفنانة الكبيرة سميحة أيوب ووزيرة الثقافة الدكتور إيناس عبدالدايم والفنانين سميرة عبدالعزيز وإلهام شاهين ونيللى ولبلبة وسوسن بدر وهناء الشوربجى وإيمان، وعبدالله مشرف وغيرهم ، وأسماء الفنانين الراحلين سعاد نصر وجميل راتب وشعبان حسين ومحمود أبو زيد وغيرهم.
لم يكن احتفاء صبحى برفاق رحلته قاصرا على هذه الليلة التى احتفل فيها باليوبيل الذهبى لرحلته مع الفن، بل حرص منذ بنى مسرحه فى مدينة سنبل على وضع صورهم جميعاً فى مدخل المسرح مع كل نجوم الزمن الجميل الذين لم ينس أى منهم.
يمثل الفنان محمد صبحى حالة فنية خاصة ، نموذج لا يشبه أحد، يحمل فكراً خاصاً ويرى فى الفن رسالة وفى المسرح مؤسسة ومنهج.
اتخذ صبحى من المسرح بيتا لا يفارقه ومنهجاً يعمل على تطويره ومؤسسة لها خطة ورؤية، يحمل «وجهة نظر» فى كل القضايا الوطنية والاجتماعية ويترجمها فى قالب كوميدى يخلو من الإسفاف والابتذال، مغردا خارج سرب «التخاريف» الفنية، وقابضا على جمر المسرح ومراهنًا على الفن الراقى الذى يحمل رسالة، وهو ما جعل مقاعد مسرحه تمتلئ بعشاق الفن الراقى على الرغم من بعد مكانه.
يبقى الفنان محمد صبحى الوحيد الذى يتعامل مع المسرح كمؤسسة وفرقة ومنهج كما كانت الفرق المسرحية قديماً، ومنها فرق الريحانى، والكسار ويوسف وهبى التى عمل فيها والده.
يقدس صبحى المسرح ويراه محراباً يتعبد فيه له طقوسه ومواعيده ونظامه المنضبط المقدس، الذى لا يقبل التهاون ، وفى حوار سابق أجريناه معه لخص رؤيته للمسرح قائلا: «أنا مش شقة مفروشة أجيب ممثل ونلم بعضنا علشان نعمل مسرحية فى الصيف، ولكنى أتعامل مع المسرح كمؤسسة لها منهج وفرقة لها طعم ومذاق كما يحدث فى أوروبا وفى الكوميدى فرنيسيز »
مهموم دائما بحال المسرح المصرى يتحدث بحزن كلما تذكر أنه فى بداية عمله بالفن كان هناك 28 مسرحا تقدم أعمالا جيدة وراقية، ولكن تم هدمها لتحل محلها مولات وعمارات، لذلك ساهم خلال 20 عاما فى إعادة بناء وتجديد 5 مسارح منها مسارح القبة، والليسيه، والفردوس، ولكن تم بيعها حتى أقام مسرح مدينة سنبل.
وبثقة المتفرد المغرد خارج السرب قال: «قد يكون هناك من يقدمون مسرحا أعظم منى ولكنى أجزم أنى مختلف ومنضبط وأسعى دائما للحفاظ على شرف المهنة وتنمية وتدريب أعضاء الفرقة من خلال تدريبات شاقة ومنضبطة، ، لذلك أطلقوا على فرقتى فرقة الفنية العسكرية لمحمد صبحى"
يحرص صبحى على التواجد قبل رفع الستار بـما لا يقل عن 5 ساعات، وباقى الممثلين يحضرون قبلها بساعتين على الأقل، لذلك اعتاد كل من عملوا معه على الانضباط فى كل شيء وقدم مسرحه العديد من النجوم ومنهم منى زكى وهانى رمزى وصلاح عبدالله وغيرهم مالايقل عن 200 فنان، بل يستطيع أن يرى فى الفنان مالايراه غيره من إمكانيات، وهو ما أكدته الفنانة وفاء عامر التى كانت من بين المكرمين مشيرة إلى أن صبحى أول من اكتشف فيها مواهب أخرى وقدرات على تجسيد أدوار مركبة ومختلفة بعيدا عن أدوار المرأة الجميلة أو اللعوب.
قدم صبحى عشرات المسرحيات التى تناقش كل القضايا الاجتماعية والسياسية فى قالب كوميدى هادف، كما أعاد تقديم عدد من روائع مسرح الريحانى ولا يزال يجيد ويبدع، ويناقش القضايا الهامة.
ورغم أنه قدم عددا من الأعمال السينمائية، ومنها «الكرنك، أبناء الصمت، وبالوالدين إحسانا، أونكل زيزو حبيبى، الجريح، هنا القاهرة، الشيطانة التى أحبتنى، العميل رقم 13»، إلا أنه سرعان ما ابتعد عن السينما، و قدم عددا من أهم المسلسلات وأكثرها نجاحا وبقاء فى أذهان الملايين من كل الأجيال بشخصياتها الواقعية وقضاياها الهامة، ومنها على بيه مظهر ورحلة المليون، ملح الأرض، فارس بلا جواد، بروتوكلات حكماء صهيون، بابا ونيس، التى شارك من خلالها ملايين الأسر فى تربية أبنائها، وذلك عندما قرأ مقولة سيدنا على بن أبى طالب «لا تربوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم سيعيشون زمان غير زمانكم»
هكذا يمثل صبحى حالة فنية ومنهجا ًخاصاً لايشبه أحد، يحمل رسالة ويؤديها بدأب وفكر منظم وأداء منضبط وإبداع متواصل.