وحيد حامد.. والحوار ثلاثى الأبعاد

رائد لطفي رائد لطفي
 
بقلم / رائد لطفي
يؤكد كثير من السينمائيين حول العالم أن فيلم   "citizen  kane" أو المواطن كين" للمخرج أورسون ويلز هو الفيلم رقم واحد فى تاريخ السينما العالمية وذلك لأسباب عديدة يأتى على رأسها عمق الصورة الذى أحدثه ويلز والذى لم يكن موجودا قبله .. فأنت عند ويلز وحسب الضرورة الدرامية تستطيع أن ترى المشهد الجارى بين أبطال الفيلم وترى فى عمق الصورة ما يدور من رد فعل لحوار الأبطال أو ما يهدد حياتهم أو عبثية الحوار أو غيره .. فأنت هنا تشاهد صورة ثلاثية الأبعاد بالمعنى الحالى لكن قام ويلز بالخطوة الأولى قبل أكثر من سبعين عاماً .
نفس الشيء نجده عند الكاتب الفذ وحيد حامد الذى استطاع منذ بدايات أعماله الدرامية قى الإذاعة أن يخلق نوعاً جديداً من الحوار .. حوار يعطى كل أهدافه وأكثر .. فالحوار أما يكون بهدف بلورة الشخصيات البطلة فى العمل الدرامى أو دفع الأحداث للأمام دائماً وصولا ً لنقطة الذروة أو العقدة ثم للحل أو النهاية وأما لايضاح الهدف "المورال" من الفيلم أو المسلسل .. لكننا نجد فى حوار المبدع وحيد حامد ما هو أكثر .. نجد أنه وعلى طوال العمل الدرامى يضع عدة جمل حوارية تأخذنا أما لزمن غير الزمن أو يأخذنا لصورة أكثر شمولية للحدث الدرامى فتراه كأنه يدور في العالم كله وليس فى حارة أو مدينة مصرية .. أو يأخذك إلى عالم الفلسفة والمنطق وغياهب العقل اللا محدود .. فنسمع دون أن ندرى حواراً مميزاً ومختلفا يمكن أن نطلق عليه حوار ثلاثى الأبعاد .
فهو فى بدايات أعماله الإذاعية قد فطن بذكائه وموهبته الفطرية الفذة أن الحوار فى النص الإذاعي هو البطل فكتب وأبدع وعندما بدأ رحلته فى الدراما التليفزيونية واصل اهتمامه وابداعه فى الحوار فانفرد بهذا الحوار ثلاثى الأبعاد الذى زاد من نجاح أعماله على مستوى الجماهير والنقاد فكان أن سعى كبار النجوم والمخرجين للعمل معه .
فمثلا فى بداياته وفى مسلسله الشهير " أحلام الفتى الطاير" يقول على لسان البطل : لو بنتك سألتك مين إبراهيم الطاير ده هتقول لها أيه؟ فيجيب حسين وهو صديق البطل فى رحلة الهروب والصراع قائلاً : هقولها يبقى الشاطر حسن .
وهنا يدفع حامد الجمهور لرؤية بُعد أخر فى الأحداث فإبراهيم الطاير ليس لصاً ولا أنانياً كما يبدو لكنه فارس يحقق أحلام الضعفاء. 
أما فى فيلم " الراقصة والسياسى" وهو أحد أهم أفلامه السينمائية يقول على لسان البطلة : كل واحد فينا بيرقص بطريقته . أنا بهز وسطى وأنت بتلعب لسانك وتخطب .. وهى جملة متعددة المعانى وإن كانت إحداها تعنى تكسب صغار السياسيين من وراء عملهم .. أما فى فيلم "طيور الظلام" فيقول على لسان البطل : البلد دى اللى يشوفها من فوق غير اللى يشوفها من تحت!! وفى فيلم "أضحك الصورة تطلع حلوة" يقول على لسان بطله مصور الفوتغرافيا: مافيش حاجة تسعد الناس غير إنها تشوف صورتها حلوة .. ويعنى وحيد هنا صورة الشخص الأخلاقية العامة قبل صورة وجهه .. أما فى أخر أعماله والتى تعد من أهم إبداعاته فيقول فى مسلسل "الجماعة"و عل لسان شاب متهم بالانضمام لجماعة الأخوان أمام وكيل النايبة: اللى عايش عيشتنا دى يا سعادة الباشا لازم يكون مع أى معارضة حتى لو كانت معارضة كدابة . حتى لو كانت معارضة عاجزة عن إنها تعمل أى حاجة . حتى لو كانت معارضة فاسدة .. ويقصد وحيد حامد هنا إن الشباب يعلمون كذب وضعف وفساد جماعة الأخوان لكن معاناتهم مع الفقر والقهر وقلة الحيلة تدفعهم لدخول الجماعة أو للتعاطف معها .. وفى نهاية هذا المشهد العبقرى يقول وحيد على لسان نفس الشاب : سعادة الباشا .. أحنا عايشين مع الأهمال والفساد والجشع والاحتقار والخوف .. أى ينتهى حامد إلى الحل وهو إن اردنا القضاء على جماعة الأخوان وكل الجماعات المتطرفة فلابد أن نقضى على كل هذه الأسباب .. وفى النهاية أؤكد لك  أنك فى كل مرة تعيد فيها مشاهدة أحد أعمال وحيد حامد ستفهم من حواره بعدا أخر لم تفهمه فى المرة السابقة .. وهذا هو الإبداع بعينه.

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر