رغم قلة عدد الأفلام التي أخرجها مخرجنا الكبير داود عبد السيد فهي تقريبًا 9 أفلام روائية طويلة بدأها بـ"الصعاليك" عام (1985)، وآخرها كان "قدرات غير عادية" عام (2014) إلا أنه يصنف من أهم مخرجي السينما المصرية في فترة الثمانينيات والتسعينيات، ودائما كانت أفلامه تدعوك للتفكير والتأمل فهو بعيد جدًا في أغلب أفلامه عن المباشرة.
اليوم 23 نوفمبر يتزامن مع ميلاد هذا المخرج المتميز فهو مواليد عام 1946 ونتأمل قليلا في مسيرته الفنية، وبداياته وأهم المحطات السينمائية في مشواره، ونشتاق لعودته السينمائية فهو لم يقدم أي أفلام منذ عام 2014.
داود عبد السيد بدأ مسيرته كمساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها "الأرض" ليوسف شاهين، "الرجل الذي فقد ظله" لكمال الشيخ، "أوهام الحب" لممدوح شكري. ثم بعد ذلك قرر خوض تجربة الإخراج بنفسه دون مساعدة أحد فأخرج عدة أفلام تسجيلية قبل شروعه في إخراج الأفلام الروائية فقدم : "وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم" (1976)، "العمل في الحقل" (1979)، "عن الناس والأنبياء والفنانين" (1980).
داوود عبد السيد واهم افلامه
يقول داود عبد السيد في أحد لقاءاته: لم يكن حلمي أن أكون مخرجا بل كنت ارغب في العمل بالصحافة ولكن الصدفة وابن خالتي هما اللذان دفعاني لدخول مجال السينما فابن خالتي كان يعشق مشاهدة الرسوم المتحركة، وتطور معه الأمر لشراء كاميرا، وعمل بعض المحاولات في المنزل. وتدريجياً تعددت علاقاته بالعاملين في مجال السينما، وأخذني لأستوديو جلال، وكانوا يصورون فيلماً من إخراج أحمد ضياء الدين، الذي كنت أعرفه بحكم زمالتي وابنه في المدرسة فانبهرت بالسينما بصورة مذهلة فقررت بعدها دخول معهد السينما".
داوود عبد السيد قدم للسينما 9 أفلام هي : "الصعاليك" (1985)، "البحث عن سيد مرزوق" (1991)، "الكيت كات" (1991)، "أرض الأحلام" (1993)، "أرض الخوف" (2000)، "مواطن ومخبر وحرامي" (2001)، "رسائل البحر" (2010)، و "قدرات غير عادية" (2014).
9 أفلام روائية طويلة رصيد داوود عبد السيد في السينما المصرية
ولا ننسى الإشارة إلى أن جانباً من أسباب تأخر تجربة عبد السيد في مجال الفيلم الروائي، تعود إلى أنه قد رفض الاستمرار بالعمل كمساعد مخرج، وكان دخوله المجال الروائي من ميدان خارجي، ومظلوم إعلامياً، هو مجال الفيلم التسجيلي، الذي هيئه حقيقة لخوض المجال الآخر..... تخلصت من بعض الخوف من الكاميرا، وشعرت أنني قادر على تجسيد فكرة في شكل سينمائي.. هذا أعطاني ثقة في أني قادر على تجسيد فكرة، لا تكون مجرد ورق.. والجزء الأساسي في التعليم هو من كتابة السيناريو. فلا أرى أن هناك إخراجاً وهناك كتابة سيناريو.. عندما تتعلم كتابة سيناريو تتعلم الإخراج.. والأساسي الذي تتعلمه كيفية أن توصل فكرة.
المخرج الكبير داوود عبد السيد قدم سينما خاصة وجديدة ومنذ أول أفلامه كان متمردا على السائد والتقليدي سواء في الصورة التي قدمها في الفيلم أو الموضوعات التي يطرحها حينما قدم أول أفلامه " الصعاليك " بطولة نور الشريف ومحمود عبد العزيز ويسرا ومها أبو عوف ، فقدم تيمة الفقر ثم الانتقال من قاع المجتمع إلي قمته حيث الثراء والنفوذ ، وكان هذا الموضوع هو السائد في تلك الفترة بعد سياسة الانفتاح الاقتصادية التي كانت في عهد السادات .
داوود عبد السيد في كل أفلامه يصنع سينما ذاتية وخاصة به وهو نفسه يقول في لقاء جمعني به : أنا أقدم الموضوعات التي أشعر بها وأتفاعل معها، دون النظر لأي ظروف أخرى ، واستطعت أن أقدم جزءاً يسيراً من أحلامي .
المخرج داوود عبد السيد
من خلال التأمل في أفلام داوود عبد السيد ستجد أنه مخرج يهتم جدا بشخصياته أكثر من اهتمامه بالقضية المطروحة ، وهذا واضح جدا في شخصية " الشيخ حسني " في فيلم الكيت كات ، وشخصية " الضابط يحيي " في فيلم " أرض الخوف ، وشخصية (يوسف كمال) في فيلم " البحث عن سيد مرزوق " ، وشخصية يحيي في فيلم " رسائل البحر ، فهو يقدم لنا الشخصية ويتعمق في تفاصيل حياتها ومعيشتها ومن حولها من شخصيات ويقدمها كما هي بأخطائها وتلقائيتها وأجمل ما في سينما داوود عبد السيد من وجهة نظري أنه لا يدين شخصياته بل ينظر إليها برحمة ويتلمس لها الأعذار والدوافع، ويتفهم حاجات النفس والجسد .
داوود عبد السيد مخرج مازال لديه العطاء في السينما ، ولديه المشاريع والأفكار ويمتلك الخبرة الكبيرة والموهبة ، فلماذا لا يتواجد علي الساحة ؟ ولماذا لا يتشجع ويتحمس منتج ليغامر معه بتقديم سينما غير تقليدية ؟ فقد اشتقنا لسينما هذا الفارس المغامر الذي صنع لنا أفلاما قليلة لكنها ذات تأثير كبير.