56 عاما مروا على رحيل المبدع الكبير بديع خيرى الذى رحل عن عالمنا عام 1966 بعد أن ملأ الدنيا إبداعاً فى العديد من المجالات ولم يقتصر على تأليف وكتابة مئات الروائع من المسرحيات والأفلام والأغانى والأوبريتات، بل تعددت مواهبه وإبداعاته فى التلحين والتمثيل والغناء وحتى فى أفلام الكارتون، حيث كتب سيناريو أول فيلم كارتون مصرى فى الثلاثينات، وبقيت أعماله شاهدة على عبقريته تتناقلها كل الأجيال ليبقى رغم رحيله فى وجدان الملايين.
كان بديع خيرى يعبر عن نبض مصر وشعبها وارتبط اسمه بفن ومسرح نجيب الريحانى وبأجمل أغانى سيد درويش، التى عبرت عن ثورة 1919 ، وعن الحياة فى مصر خلال هذه الفترة ، حيث كتب بديع خيرى أهم أغانيها ومنها "قوم يامصرى، ويابلح زغلول"، وهو رائد المسرح، الذى صنع روائع الريحانى، وهو الشاعر والمؤلف وكاتب سيناريو الذى جسد كل معانى التعايش معبرا عن هذا الانصهار بين أبناء الشعب المصرى والشعوب التى انصهرت معه، فكتب الزجل والأغانى بلسان المصرى والسودانى والايجريجى "دنجى ..دنجى"، "مخسوبكوا انداس"، وغنى بلسان الموظف والشيال والصعيدى والفلاح والجرسون الصحفى "شد الحزام على وسطك، ياحلاوة أم اسماعيل، هز الهلال ياسيد، الحلوة دى قامت تعجن، البحر بيضحك ليه، أه ده اللى صار".
وتنوعت إبداعات بديع خيرى فكتب أجمل أغانى محمد فوزى "شحات الغرام، وليا عشم وياك يا جميل"، ولأسمهان "عليك صلاة الله وسلامه"، كما كتب بديع خيرى أهم السيناريوهات للسينما، فكتب للسينما الصامتة فيلم (المانجبان)، كما كتب أول فيلم عربى ناطق يتحدث عن الحارة المصرية وهو فيلم (العزيمة)، حيث كانت الأفلام تتحدث عن الطبقات الارستقراطية فقط، فضلاً عن عشرات الأعمال الكوميدية ومنها الستات مايعرفوش يكدبوا، إلا خمسة، السكرتير الفنى، غزل البنات، 30 يوم فى السجن"
كما كتب سيناريو أول فيلم كارتون مصرى فى الثلاثينات ونفذ الفيلم الأخوة فرنكل، وناقش هموما وقضايا مصرية فى سلسلة حلقات حملت اسم "مشمش أفندى" وكانت تعرض فى السينما وتحدثت عنه الصحافة العالمية وقتها تحت عنوان"ميكى ماوس أصبح له أخ مصري"، ويوضع هذا الكرتون فى سجلات التطور التاريخي لفن الكرتون فى العالم.
ورغم البهجة التى حملتها كل إبداعات المبدع متعدد المواهب بديع خيرى إلا أنه كان يعانى فى حياته من مآس عديدة.
وعن الجانب الشخصى الحزين فى حياة بديع خيرى تحدثت حفيدته عطية عادل خيرى فى حوار لليوم السابع مشيرة إلى أنه تزوج من ابنة خالته وكان يحبها بشدة وأنجب منها 4 أبناء أكبرهم مبدع الذى درس المحاماة وعمل بالسكة الحديد، يليه والدها الفنان عادل خيرى والتحق بكلية الحقوق قبل أن يعمل بالفن ثم ابنة وحيدة وأصغرهم نبيل خيرى الذى سافر ألمانيا لدراسة الصيدلة لكنه عاد ليلتحق بمعهد السينما وعمل بالإخراج "
وأشارت الحفيدة إلى أنه رغم بهجة أعمال جدها إلا أن بيته كان حزينا وشهد أحداثا مأساوية كثيرة، ومنها إصابة ابنته الوحيدة بالحمى الشوكية فى طفولتها ما تسبب فى إعاقتها ومعاناتها الصحية طوال حياتها، كما فقدت زوجته البصر فى نهاية حياتها بسبب مرض السكر.
وقالت عطية عادل خيرى: "كان مرض السكر وراثيا فى أسرة جدى وعانى هو نفسه منه طوال حياته وبترت أصابع قدمه فى أواخر سنوات عمره مما أعاقه عن الحركة ورغم ذلك ظل يعمل حتى النهاية، وكانت جدتى مصابة بالمرض ففقدت بصرها قبل سنوات من وفاتها".
وتابعت: "كان مرض جدتى أحد أسباب حزن جدى الشديد، خاصة أنه كان يترك لها إدارة البيت وقال عنها فى أحد البرامج أنها كانت ذراعه اليمين وتساعده حتى فى إدارة المسرح، وكانت سببا لنجاحه".
أما الحدث الأكبر الذى أدمى قلب بديع خيرى فهو مرض ابنه الفنان عادل خيرى الذى أصيب بمرض السكر فى صباه ووفاته شابا قبل أن يكمل سن 33 عاما بعد 7 سنوات فقط من عمله بالفن تاركا زوجته وثلاث بنات أكبرهن فى سن السادسة وأصغرهن لم تتجاوز العامين.
وفى لقاء نادر مع بديع خيرى بعد وفاة زوجته وابنه عادل خيرى وبعد أن جاوز 72 عاما، وأصبح غير قادر على المشى بسبب مضاعفات مرض السكر ورغم ذلك كان لايزال يعمل ويكتب قائلا "أمامى رسالة يجب أن أؤديها وحبى للمسرح يجعلنى أتغلب على ألامى وأحزانى، وانشغالى به يبعد عن ذهنى الأحزان والذكريات".
وأضاف: "من المدهشات أن أقوم بإضحاك الناس وقلبى مفعم بالحزن وهذا من فضل الله فضحكات الناس عزائى وقوتى".