تستحق سميحة ايوب وعن جدارة أن يوثق ويؤرخ لمسيرتها الفنية في مجلدات وكتب فهي فنانة تمتلك رصيدا رصينا من الأعمال الخالدة في ذاكرة المسرح المصري، ولو جاء مؤرخ لتأريخ مسيرة المسرح المصري سيكون لسميحة أيوب صفحات وصفحات، ومؤخرا وضعت أجزاء من مسيرتها ضمن منهج الصف السادس الإبتدائي تحت عنوان " شخصيات مصرية مؤثرة " ، واليوم السابع يتبحر أكثر وأكثر في مسيرتها وسيرتها لنتوقف عبر محطات مهمة من تاريخها الفني ..
سميحة ايوب
سميحة أيوب هي أحد أيقونات الفن العربي ورمز من رموزه الأصيلة الخالدة، وهي القيمة الرفيعة السامية والقامة الشامخة التي ساهمت في إثراء حياتنا الفنية بتجسيد عدد كبير من الشخصيات الدرامية الخالدة بجميع القنوات الفنية، ولذلك فقد نجحت بمشاركاتها الفنية المتتالية وإبداعاتها المتعددة خلال مسيرتها الفنية في تحقيق مكانة خاصة لها في قلوب جماهير وعشاق الفن علي مدار عدة أجيال، تلك الجماهير التي أصبحت " سميحة أيوب " بالنسبة لها علامة للتميز والجودة الفنية بعدما عشقت أداءها الطبيعي وأعجبت بصدق تمثيلها ومهارتها في تجسيد مختلف الشخصيات، وهي بالطبع لم تكن تستطيع أن تحقق تلك المكانة الرفيعة وأن تضع بصمة مميزة خاصة بها إلا بعدما نجحت في توظيف موهبتها المؤكدة التي أصقلتها بالدراسة الأكاديمية وبالثقافة الموسوعية عن طريق القراءة المستمرة، وبكثير من التجارب المتتالية وبالعمل مع كبار المبدعين العرب والأجانب .
وقبل التبحر في مسيرتها تواصل اليوم السابع معها وقالت عن وضع مسيرتها في المناهج التعليمية : تواصلوا معي وأبلغوني بهذا الفعل الذي أشكرهم عليه، فهو شرف لي أن أكون في المناهج ليعرف الجيل الجديد عن الفنانين الذين لهم تاريخ فني".
وأضافت : "أتمني أن يكون هناك فنانين غيري ممن لهم مسيرة وتاريخ مشرف في كل المناهج وهذا كان متبعا من قبل، فتواصل الأجيال شىء مهم جدا والجانب المعرفي الخاص بالفن المصري يجب أن يكون مادة أساسية في التعليم، ويجب أن تعرف الأجيال الجديدة رواد الفن والثقافة والعلماء والمفكرين والفلاسفة، وأكرر شكري لمن فكر في وضع اسمي وحانب من مسيرتي ".
سميحة ايوب.. حي شبرا وتأثيره وحلم الباليرينا
ولدت الفنانة القديرة سميحة أيوب في حي شبرا بما يحمله هذا الحي من تأثير علي من يعيش فيه، وهو بالمناسبة خرج منه الكثير والكثير من الفنانين من أجيال مختلفة ومتعاقبة ، ونذكر منهم : داليدا ، سيمون ، ماري منيب، نجيب الريحانى، سعاد نصر ، محرم فؤاد، بوسي، يوسف شعبان، نورا، سراج منير، بليغ حمدي، خيري بشارة، نبيلة عبيد، شيرين، حنان شوقي، نهلة سلامة، محمد نجاتي، ماجد الكدواني، وكل من قال عاش بشبرا تأثر بتكوين هذا الحي وبعاداته و تقاليده، والحظ جعل الطفلة سميحة تنفتح علي عالم السينما العالمية وأن تتعلق بعالم الفن عن طريق شرفة منزلها التي كانت تتطل مباشرة علي صالة عرض إحدي السينمات الصيفية ، وكانت أمنيتها آنذاك أن تصبح " باليرينا " وليس ممثلة، وذلك بعدما شاهدت من شرفة منزلها فيلم " ذات الرداء الأحمر " فأعجبت بالبطلة الباليرينا .
سميحة ايوب
الصدفة و6 جنيهات سبب دخول سميحة ايوب الفن
لعبت الصدف دورا كبيرا في مسيرة الفنانة الكبيرة والقديرة سميحة أيوب، فقد سمعت إعلان في الإذاعة يطلب فتيات للإلتحاق بمعهد فن التمثيل العربي ليتدربن علي فن الإلقاء التمثيلي وأن هناك مكافأة شهرية قيمتها ستة جنيهات تمنح للطالبة التي سوف تجتاز الاختبار بنجاح ، وبالفعل ذهبت سميحة أيوب مع إحدي صديقاتها إلي المعهد، وتقول سميحة أيوب في كتاب عن مسيرتها أصدره مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي للدكتور عمرو دوارة عن ذلك اللقاء : شعرت برهبة شديدة جدا حينما شاهدت عمالقة السينما والمسرح ومن بينهم : يوسف وهبي ، جورج أبيض ، فتوح نشاطي ، زكي طليمات ، د. محمد صلاح الدين ، ولم يكن لدي مشاهد لتقديمها أمام تلك اللجنة ولكن أمام إصرارهم وتشجيعهم قدمت قطعة محفوظات باللغة الفرنسية من تلك المقطوعات التي كنت أدرسها في مدرسة " سان جوزيف "، والمفاجأة كانت قبولي بعد مداولات من أعضاء اللجنة ولكن قبلوني كمستمعة نظرا لصغر سني، فقد كنت أقل من ستة عشر عاما وهو شرط القبول .
سميحة ايوب
معارضة الأسرة وأصعب موقف في حياتها
واجهة الفنانة سميحة أيوب معارضة شديدة من أسرتها ورفضا شديدا لفكرة التحاقها بمعهد التمثيل وممارسة الفن، وكان الرفض أكثر من والدها إلا أن خالها المحب والعاشق للفن كان داعما لها، ومهد لها الطريق وساعدها، وظلت تدرس ولكن للأسف لم تستمر في الدراسة نظرا لظروف ارتباطها بالزواج، ولكن بعد انفصالها عادت مرة أخري لاستكمال دراستها بالمعهد بتشجيع أستاذها الفنان الكبير زكي طليمات ، والتحقت وقتها بالدفعة السادسة وهي الدفعة التي تخرجت عام 1952، وكان من بينهم روحية خالد ، كمال عيد ، أنور محمد ، هدي عيسي ، عبد العزيز أب الليل ، حسين جمعة .
بداية احتراف الفنانة سميحة أيوب كانت من خلال أستاذها زكي طليمات الذي ضمها إلي فرقة " المسرح المصري الحديث " التي أسسها عام 1950، وفي أول عمل فني قدمته وهو أوبريت " عذراء الربيع " غيرت اسمها بناء علي طلب أسرتها واختارت لنفسها اسما هو " سميحة سامي " ، ولكن عندما أذيع الأوبريت وأشاد به النقاد ووجدت استحسانا غضبت من نفسها وشعرت بالندم لرضوخها لرغبة أهلها وقبولها تغيير اسم عائلتها، فقررت التمرد علي العائلة وعادت مرة أخري لتقديم جميع أعمالها الفنية باسمها الحقيقي " سميحة أيوب " .
سجلت الفنانة الكبيرة سميحة أيوب في مذكراتها التي أصدرتها بعنوان " ذكرياتي " أن من أصعب اللحظات التي مرت بها خلال حياتها الفنية فاة والدها حيث كانت تقوم آنذاك ببطولة مسرحية " أجاممنون " علي مسرح الجيب ، وتوفي والدها في الساعة الخامسة مساء ، وكان لابد أن تكون في المسرح الساعة السابعة ، ولم يكن ممكننا تحت أي ظرف إلغاء العرض أو تأجيله ، فاضطرت بالفعل إلي الذهاب إلي المسرح، ولم تشعر أحد من العاملين بالمسرح بأي شئ وقامت بأداء دورها كالمعتاد ، وبعد نهاية العرض انفجرت بالبكاء وسارعت للقيام بالتزاماتها وتقبل العزاء .
سميحة ايوب
رصيد سميحة ايوب تجاوز الـ 450 عملا
المسيرة الفنية للفنانة القديرة سميحة أيوب تشمل أكثر من ( 450 ) عملا من بينهم (90 ) مسرحية ، ( 44 ) فيلما ، ( 220 ) مسلسلا وسهرة تليفزيونية ، وما يقرب من ( 115 ) مسلسلا وسهرة إذاعية، وذلك علي مدار ما يقرب من 70 عاما هي عمرها الفني ، ووقفت سميحة أيوب لأول مرة علي خشبة المسرح مع الفنانة فاتن حمامة كما ذكرت في مذكراتها، وذلك أثناء الدراسة بالسنة الأولي بمعهد التمثيل وذلك من خلال مسرحية " البخيل " لموليير والتي قدمتها علي خشبة دار الاوبرا المصرية، كما عملت مع الفنانة سناء جميل كومبارس غير متكلم في مسرحية " دنشواي " .
ونظرا لتميز أدائها التمثيلي أصر استاذها زكي طليمات علي ضمها إلي فرقة " المسرح المصري الحديث " وهي مازالت طالبة بالمعهد وأسند إليها بعض الأدوار الرئيسية بعروضها ومن بينها أدوار : كاندس بمسرحية " المتحذلقات " بيلين في " مريض الوهم " الملكة آن في مسرحية " خدمة الملكة " أنيسة في " الشيخ متلوف "، كما نالت بعض الفرص أثناء فترة الدراسة وفي مرحلة بداياتها الفنية ولعل من أهمها فرصة التمثيل الإذاعي التي منحها لها المذيع والمخرج القدير بابا شارو " محمد محمود شعبان " عندما اختارها للقيام ببطولة اوبريت " عذراء الربيع " مع الفنانة القديرة زوزو نبيل ، وخلال مسيرتها الفنية شاركت في عدد كبير من المسلسلات والسهرات الإذاعية ومن أهمها : سمارة ، ملحمة الحرافيش ، وللحب أجنحة ، قبل الرحيل ، عندما تغيب الشمس ، ست الحسن ، عندما بكي الشيطان ، ثومة ، ذئاب ورجال ، زهور لا تذبل ، أيامنا الحلوة ، بنات حارتنا ، المملوك الشارد ،المسيرة الطاهرة ، كما شهدت فترة الستينات طفرة كبري في المسرح المصري علي يد نخبة من المبدعين الكبار وقدمت سميحة أيوب محموعة من أفضل أدوارها المسرحية في الكثير من المسرحيات المهمة منها مثلا : الفتي مهران ، الزير سالم ، السلطان الحائر ، السبنسة ، كوبري الناموس ، سكة السلامة ، بير السلم ، المسامير ، الخال فانيا ، أنتيجون ، الإنسان الطيب ، دائرة الطباشير القوقازية ، الندم ، الذباب .
سميحة ايوب
سميحة أيوب العالمية
الفنانة القديرة سميحة أيوب لمن لا يعرف هي أول سيدة بالوطن العربي تتولي إدارة فرقة تابعة للدولة وذلك عندما تولت إدارة فرقة المسرح الحديث عام 1973، كما تولت بعد ذلم إدارة فرقة " المسرح القومي " مرتين ، فكانت اول سيدة تتولي هذا المنصب أيضا وذلك خلال الفترة من عام " 1975 – 1982 ) ، ( 1984-1988 )، وتمتلك الفنانة سميحة أيوب عدة مقومات إدارة متميزة فهي شخصية قيادية بطبعها تجيد الحسم كما تجيد القدرة علي التشجيع ونوظيف الحوافز ، وهي تتمتع بحب جميع العاملين بالفرقة ، وخلال فترة إدارتها للفرقة استطاعت أن تقدم عروضا متميزة لأجيال مختلفة من المبدعين ، ومن أهم تلك العروض التي حققت نجاحا : عودة الغائب ، طائر البحر ، دماء علي ملابس السهرة ، الأستاذ ، المهاجر ، كما نجحت في انتاج بعض العروض المشتركة مع كل من : فرنسا ومنها مسرحية " فيدرا " لجان راسين ، وإنجلترا مسرحية " أنطونيو وكليوباترا " لوليم شكسبير ،
قدمت 5 مسرحيات مع مخرجين من جنسيات مختلفة ما بين روسى وإنجليزى وفرنسى، وفي حوار لها باليوم السابع قالت عن تلك التجربة : قدمت مسرحية «فيدرا» فى باريس لمدة 15 يوما فى أكبر مسارح باريس وقدموا لى ندوات وبعض النقاد كتبوا عنى، وكان فريق العمل من المسرحيين الفرنسيين وكتبوا عنى وقتها أننى التهمت المسرح بأدائى، وكتبوا عنى الكثير والكثير فى الصحف الفرنسية، وحضر المسرحية الكاتب السياسى الكبير محمد عودة، وكان معه الأخضر الإبراهيمى السياسى العربى الجزائرى المعروف وأكد لى أنه كان فخورا، وقدمت أيضا مسرحية «أونكل فانيا» مع مخرج سوفيتى، وقدمت مسرحية «دائرة الطباشير القوقازية» بمخرج ألمانى وقدمت «أنطونيو وكليوباترا» مع المخرج الكبير فيرنر بوس وهو مخرج إنجليزى معروف وكل هذه التجارب كانت تجارب ممتعة.
سميحة ايوب
سميحة أيوب مدرسة خاصة فى عالم المسرح، وصاحبة أسلوب فريد فى فن الإلقاء المسرحى، ولذلك كرمها الرؤساء والزعماء بداية من جمال عبد الناصر ومرورا بالسادات ومنحها الرئيس السورى الراحل حافظ الأسد لقب سيدة المسرح العربى، ولذلك فوضع اسمها فغي مناهج التعليم فخر للفن المصري جانب مضيء يؤكد قيمة وقامة الفنانين المصريين ومدي تأثيرهم في الجماهير .