حين تم الإعلان عن مسلسل "جودر" لا أنكر أنني أصابني قليل من القلق، ليس شكا في القصة أو كيفية تقديمها، وانما لمعرفتي بما تحتاجه الفانتازيا من ضخامة إنتاج وتحضيرات كبيرة، تتطلب وقتا ربما يتجاوز العام من أجل تقديمها في صوره جيدة وعالية الجودة.
تبدد لدي هذا الشعور حين تم عرض البرومو التشويقي، فرأيت صورة نقية وملابس فخمة وجو أسطوري ودرجات من الألوان والإضاءة توحي بأنني سأرى ما يستحق المتابعة وبعد 7 أيام من عرض "جودر" أجد أننا نقف أمام عمل شديد التميز والجودة مكتمل في أركانه بشكل لافت للنظر.
لا شك أن التعاون في الإنتاج بين شركة ميديا هب – سعدي وأروما أضاف ثراءً للعمل، فالأولى تمتاز دائما باختيار جيد للنص والتدقيق في الجودة وحرص على التفاصيل، أما الثانية تعد واحدة من أهم صانعي الخدع ليس في مصر فقط وإنما في الوطن العربي.
وأظن أن هذا التعاون توج بوجود المخرج إسلام خيري الذي يملك من الحرفة والخيال والدأب ما يمكنه من إيصال أجواء ألف ليلة وليلة إلى المشاهد.
وأعتقد أن اسلام خيري أدرك منذ البداية أن المشاهد في عصرنا الحالي نظرا لوجود المنصات والانترنت واطلاعه على ما يقدمه العالم بسهولة لم تكن متاحة لأجيال سابقة، أصبح لديه مخزون بصري متنوع فيما يخص درجة الجودة والابهار والقدرة على استيعاب غير المعقول في الخيال. ويعلم انه يقف أمام تحدي كبير لتقديم فانتازيا بها من الحرفة والجودة ما يكفي، ولن أقول لإبهار المتفرج وانما تقديم ما يرضيه من جودة وتفاصيل.
ولقد رأيت بشائر لتميز إسلام خيري فيما قدمه من لمحات فانتازيا في مسلسله السابق "جت سليمة" إلا انه فاجئني بالمستوى الذي أدار به الحلقات. وإلى الآن أشاهد اتقان في كافة التفاصيل، وأعترف أنني أحيانا ادقق لالتقاط أخطاء ولكن لم أستطع العثور على أي إخفاق.
إجادة في اختيار كافة عناصر العمل
ديكور متميز جدا لأحمد فايز أجاد فيه المزج بين العالم الأسطوري الشهرياري وبين العالم المخيف للشمعيين وقوى الشر وعالم جودر المصري، واختار بحس رهيف سمه لكل عالم منهم وتخطى في الديكور خطوة تحسب له، أن أجاد ودقق حتى في اختيار الإكسسوار المحيط بالتصوير، فحين ترى شهريار ستجد اهتمام حتى بالزخارف على الكؤوس وإن ذهبت لجودر في الحارة سترى مشهد ملئ بالتفاصيل وليس فقط اساسيات الحارة كما اعتدنا أن نراها .
والملابس قدمتها منى التونسي بتميز شديد ليس فقط في الصورة العامة وانما بالتدقيق في اختيار الألوان التي تعبر عن كل شخصية ومزج الاقمشة في فهم للنص لافت وفهم لطبيعة ما ترغب الملابس وألوانها في إيصاله إلى كمتلقي.
ولأن ألف ليله وليله لها تيمة موسيقى يعرفها العالم أجمع، وأليفة على الاذن فإن اسناد مهمة الموسيقى لأي مؤلف موسيقى ليست بالأمر السهل والحقيقة أن عزيز الشافعي قدم في تتر البداية التيمة الأساسية لألف ليلة وليلة، ولكنه خبئها في موسيقى شرقية تقودها أوركسترا ملحمية، وقدم شادي مؤنس كعادته موسيقى تصويرية غنية شرقية ولكن بطابع لا يخلو من حداثة دون خدش النسق العام.
مونتاج رحيب العويل جعل المشاهد منضبطة الزمن رشيقة في الانتقال وساعد كثيرا على رشاقة الحلقات إلى الآن والتصوير البديع لتيمور تيمور.
طاقم عمل آخر كبير جدا خلف الكاميرات يستحق التحية وفريق عمل اختير بعناية لا أجد أي منهم في غير مكانه بل أراهم جميعا في أفضل أداء لهم.
وقدم أنور عبد المغيث نصا ممتعا وشيقا، يفهم فيه جيدا عوالم ألف ليلة وليلية ويستطيع أن يسرد لنا الحدوتة التي تحيي الطفل الكامن فينا، وتحيي في نفس الوقت خيالنا وهي تقدم لنا الحكمة في إطار تشويقي لم ينفلت منه أي لحظة.
كل هذا تحت قيادة إسلام خيري الذي أرى فيه مخرج واعد كبير لابد أن تتم الإشارة إليه والاحتفاء بالمستوى الذي قدمه لنا. وأكاد أجزم أنه عمل ليل نهار هو وكل من معه للوصول إلى ما نرى فيه مقاربه إلى العالمية، ولكن بروح خاصة بالمخرج ورؤية واضحة له، إسلام خيري مخرج كبير ويملك حرفة وتكنيك، ولكن قبلهما يملك روحا وعقلا يضيفها إلى ما يقدم فيكون التميز والبصمة الخاصة.