شخصية فنية خاصة يتمتع بها النجم كريم عبد العزيز، تميزه بين أبناء جيله، احتاجت منه سنوات كي تظهر بهذا النضج في مسلسل "الحشاشين" مجسدا دور "حسن الصباح" زعيم الطائفة التي اشتهرت بتنفيذ عدد كبير من الاغتيالات في القرن الـ11 وأثارت الكثير من الجدل.
خاض كريم عبد العزيز في مشواره الفني العديد من التحديات الصعبة، لكن شخصية "حسن الصباح" تعد الأصعب بالنسبة له، لما لها من محددات خاصة، تتمثل في قوة الشخصية واستخدام وسائل إقناع معتمدة على استغلال الدين، وامتلاك اتباع ينفذون خططه، وأيضا القدرة الكبيرة للسيطرة على اتباعه، ودوافع الشر داخله، فهي شخصية مركبة ومعقدة.
الممثل الذي وقف أمام كاميرا السينما للمرة الأولى طفلا في فيلم "المشبوه" أمام عادل إمام، لم يتردد في الموافقة على بطولة مسلسل "الحشاشين" وتجسيد دور حسن الصباح، فهي من الناحية الدرامية مغرية لأي فنان، ونوعية العمل جديدة على الدراما المصرية، أو ليست شائعة في السنوات الأخيرة على وجه الدقة، كما تتوافر له إمكانيات فنية ضخمة.
لكن الموافقة على تجسيد الشخصية يحمل في طياته مغامرة كبيرة، إذ قد تخطئ البوصلة ويخفق كريم عبد العزيز في التعبير عن الشر الكامن داخلها، ما قد يثير الارتباك لدى المشاهد حول طبيعتها، أو قد يذهب الأداء التمثيلي إلى الوقوع في فخ المبالغة، الأمر الذي من شأنه أن يفقدها الإقناع، لذا لجأ الممثل إلى خيار التعبير الطبيعي لشخصية تاريخية، ألتزم فيها بألا يمثل بل يكون طبيعيا تماما، دون اللجوء إلى ضخامة وعلو الصوت أو النظرات الشريرة، أو رفع الحاجب، بل هو ذلك الشرير الذي لا يعلن حقيقته ويتخفى وراء قناع.
ويؤمن كريم عبد العزيز بضرورة تصديق منطق شخوصه الدرامية التي يجسدها ويفكر ويشعر مثلها، حتى يصدقها ومن ثم تصل إلى الجمهور، وهذا قد يبدو سهلا أو واضحا في شخصياته التي جسدها من قبل لأنها أدوار أو شخصيات إيجابية، لكن كان تطبيقه في "الحشاشين" ومع شخصية مثل حسن الصباح بكل الشر بداخله، بمثابة تحدي كبير لأداء النجم المصري، نجح في اجتيازه وصدق منطق الشخصية على سلبياتها لأنه لو كرهها لن يستطع التعبير عنها.
كما حرص على تصاعد الأداء الدرامي وتفاصيل الشخصية، إذ نراه ينافق الملك شاه في الحلقات الأولى من العمل مدعيا الولاء له، ويخادع صديقه نظام الملك حتى يصل إلى مبتغاه، وعندما يتمكن من قلعة "ألموت" يظهر التكبر داخله في نظرته لأتباعه، وطريقته في السير زهوا بينهم، مستمرا أيضا في الاعتماد على دهائه الخاص.
أسلوب أداء كريم عبد العزيز في مسلسل "الحشاشين" يأتي متسقا مع طريقته في تجسيد مختلف أدواره، فهو لا يذهب إلى الافيهات المبالغة أو الحركات المضحكة في أفلامه الكوميدي ومنها "نادي الرجال السري" الصادر عام 2019، بل يعتمد على كوميديا الموقف وأن يكون طبيعيا تماما، مما يٌكسب أدائه كاريزما خاصة، نراها أيضا في المشاهد التراجيدية فهو لا يلجأ إلى الانفعال الزائد واستدرار البكاء، بل يقدم أداء متوازن.
هذا الأداء الذي يحافظ عليه أيضا في أفلام الإثارة والغموض ومنها "الفيل الأزرق" بجزئيه، وفيلم الدراما التاريخي الذي يتضمن مشاهد قتالية "كيرة والجن"، وأيضا الأداء المتزن لشخصية الضابط زكريا يونس في مسلسل "الاختيار" الجزء الثاني والثالث.
ويجيد كريم عبد العزيز اختياراته الفنية، فالممثل الذي نشأ وسط عائلة فنية ووالده المخرج محمد عبد العزيز وعمه المخرج عمر عبد العزيز، ذهب في بداية مشواره إلى دراسة الإخراج بمعهد السينما، ثم شعر بمتعة التمثيل عندما شارك في بعض الأفلام ومشاريع التخرج بالمعهد، وشعر وقتها بأن فن التمثيل هو طريقه، رغم وجود اعتراضات من الوالد.
ويزين تاريخ نجم "الحشاشين" الفني أنه تألق في مرحلة الطفولة بعدد من الأعمال السينمائية، ثم لفت الأنظار بمرحلة الشباب مع أول ظهور له بمسلسل "امرأة من زمن الحب" رفقة ياسمين عبد العزيز وبطولة سميرة أحمد، إذ حقق العمل الدرامي الصادر عام 1998 نجاحا كبيرا، وصادف في ذلك العام أيضا أن عرض له فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" بطولة أحمد زكي ومعهما منى زكي.
وبعد الطفولة وأفلام الشباب دخل كريم عبد العزيز مرحلة النضج الفني بأعمال وأدوار يختارها بعناية شديدة، ليسير على نفس النهج الذي اختاره لنفسه منذ بداية احترافه التمثيل، والذي يرتكز على تنويع المحطات، فمثلما حرص في بدايته الفنية على أن يقدم الكوميدي في " عبود على الحدود" و"حرامية في كي جي تو"، ذهب إلى منطقة الأفلام الدرامية ومنها "واحد من الناس" الصادر عام 2006 وقت أن كان شباك التذاكر يغازل الأفلام الكوميدي أكثر ثم الرومانسي، ثم اتبعه في العام التالي بفيلم "خارج على القانون" من نفس نوعية الأفلام الدرامية.
بهذه الاختيارات في بدايته الفنية وضع كريم عبد العزيز نفسه في مكانة خاصة لدى الجمهور، واكتسب ثقته، ورسم شخصيته الفنية المغايرة لنجوم جيله الذي انطلق في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، إذ لم يحصر نفسه في منطقة معينة.
مكانة كريم عبد العزيز الخاصة لدى الجمهور، عززت من حضوره القوي في شباك التذاكر، إذ تتصدر أفلامه قائمة الأكثر إيرادات في تاريخ السينما المصرية، ويحتل فيلمه الأخير "بيت الروبي" القائمة محققا نحو 130 مليون جنيه إيرادات، فيما جاء في المركز الثاني فيلمه "كيرة والجن" الذي يتقاسم بطولته مع أحمد عز محققا 119 مليون ونصف مليون جنيه، بل يأتي في المركز الثالث فيلمه "الفيل الأزرق" الجزء الثاني بإيرادات قدرت بـ 104 مليون جنيه.
هذه المكانة لدى الجمهور يرافقها أيضا تقدير وإشادة نقدية، إذ تم تكريمه العام الماضي في الدورة الثانية من مهرجان القاهرة للدراما، وتسلم تكريمه من الفنان يحيى الفخراني، كما تم تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ43 ومنحه جائزة فاتن حمامة، وقدمت الجائزة له النجمة منى زكى، إضافة إلى أنه يحظى بإشادة دائمة عن أدواره ومنها شخصية حسن الصباح في "الحشاشين".
يقتنع كريم عبد العزيز بأن الفنان يجب أن يغير من جلده دائما، بمعنى أن يقدم أدوار مختلفة في مسيرته الفنية، ولا يبقى حبيسا لنوعية محددة بدعوى أنها نجح فيها، لأن ذلك التنوع من شأنه أن يطيل عمر الممثل الفني، لذا فهو أمام تحد خاص الفترة المقبلة فيما يتعلق باختياراته الفنية، بعد أن اجتاز بنجاح الدور الأصعب في مشواره الفني حتى الآن والذي يعد تتويجا لمسيرته الفنية.