لم يستطع ممثل في تاريخ السينما أن يحقق ما حققه الفنان الكبير والقدير محمود ياسين، فقد استطاع هذا النجم الاستثنائي أن يقدم 10 أفلام في الموسم الواحد، ووقف أمام ثلاثة أجيال من الممثلات، أو بعبارة دقيقة استطاع أن يربط الأجيال ببعضها البعض، وهو أيضا الفنان الأكثر تقديما للأفلام الحربية عن حرب أكتوبر، وشهدت استوديوهات السينما في السبعينيات حالة غير مسبوقة من النشاط لنجم جديد على الساحة، وكلت إليه جميع الأعمال الرومانسية إلا فيما ندر، ليصبح مع مرور سنوات قليلة مستحوذا على المشهد التمثيلي في حضرة نجوم من الكبار والصغار، واليوم 14 أكتوبر هو ذكري رحيل هذا الفنان والنجم الاستثنائي، فقد رحل عام 2020 .
محمود ياسين منذ قدومه من بورسعيد موطنه وبلده الذي ولد وعاش فيه، وهو يبحث عن التميز، وبموهبته وإخلاصه لمهنة التمثيل استطاع أن يحقق حلمه ويصبح فتي الشاشة الأول في وقت قياسي، وكان المسرح القومي هو المكان الذي ينتقي من خلاله صناع السينما النجوم ليقدموهم علي الشاشة، وهذا ما حدث بالفعل فقد شاهد المخرجون والمنتجون محمود ياسين وهو يصول ويجول علي خشبة المسرح القومي في مسرحيات كثيرة منها : وطني عكا ، حلاوة زمان، الزير سالم، وغيرها من المسرحيات، لكنه في مسرحية " ليلة مصرع جيفارا " كما يرصد الناقد أشرف بيدس في كتابه " أصحاب السعادة " كانت المسرحية الفاصلة في بزوغه وظهور نجمه، والتي لاقت حفاوة إعلامية كبيرة، وبسببها رشحه صلاح أبوسيف لدور البطولة في فيلم (القضية (68) ، لكن المنتج رمسيس نجيب رأي أن حسن يوسف وكان وقتها نجم شباك أصلح للدور، واسند لمحمود يس دورا صغيرا، ولكن ظهوره في السينما أحدث دويا كبيرا جعل عيون صناع السينما تتجه إليه وتقذف عليه تلالا من السيناريوهات ليدشن مرحلة جديدة ارتبطت باسمه وأعماله، ويفسر هذا الأمر أنه صاحب أكبر رصيد من الأعمال بين أبناء جيله (257)، ومن ثم تحلقت الجماهير حوله مستبشرة خيرا ومنسجمة مع كل ما كان يقدمه، وفي غضون أقل من عام يقف محمود ياسين أمام شادية في (نحن لا نزرع الشوك)، ثم فاتن حمامة في (الخيط الرفيع)، ليعتمد شهادة النجومية من أرفع وأشهر وأمهر سيدتين عرفتهما الشاشة الكبيرة، كما اختاره یوسف شاهين في دور البطولة لفيلم "الاختيار"، وبعدها أصبح محمود ياسين بملامحه المصرية الصميمة والأصيلة العاشق المعترف به سينمائيا الذي يصدر مشاعر نبيلة وأحاسيس صادقة، لذلك كان يسيرا أن تسند لها البطولة أمام الجيل الذهبي للنجمات في اواخر أعمالهن.
محمود ياسين وقف أمام ثلاثة أجيال من الممثلات، أو بعبارة دقيقة استطاع أن يربط الأجيال ببعضها البعض، وكان في كل المراحل يملأ مكانه ويشع توهجا ويفرض سيطرته علي العمل، من خلال تنوع الأدوار واختلافها، ووقف أمام جيل فاتن وشادية وماجدة وبرلنتي عبد الحميد، ولبني عبدالعزيز، سميرة أحمد وهند رستم ونجاة، ثم فنانات جيله سعاد حسني، نيللي، صفية العمري، نادية الجندي، ناهد شريف نجلاء فتحي، ميرفت أمين مديحة كامل، سهير رمزي شهيرة عفاف راضي، ثم الجيل التالي: يسرا ونادية ذو الفقار، هويدا، هالة فؤاد، معالي زايد، هالة صدقي الهام شاهين، وليلي علوي، وكذلك الربط بين المخرجين مرورا بالوجوه الجديدة والوقوف بجوارهم ودعمهم، في مسيرة بلغت 150 فيلما، وأكثر من 90 عملا إذاعيا وتليفزيونيا، و 10 مسرحيات، وتعتبر نجلاء فتحي أكثر ممثلة شاركته في أعماله السينمائية والتي بلغت أكثر من 20 عملا.
محمود ياسين قدم عام 1972 ( 10 ) أفلام كبطل، وهو رقم قياسي لفنان في تاريخ السينما المصرية، وكتب في تترات الأفلام عبارة: فتي مصر الأول، وفي 1974 يضرب ضربته الثانية بـ 10 أفلام منها أفلام عن حرب أكتوبر، وهي (الوفاء العظيم - الرصاصة لا تزال في جيبي) ثم امرأة للحب - أين عقلي - قاع المدينة - الساعة تدق العاشرة - غابة من السيقان - العذاب فوق شفاه تبتسم - حبيبتي) وهو فيلمه الثاني أمام سيدة الشاشة، وهو الوحيد من جيله الذي قدم معها ثلاثة أعمال.